تصادم هائل يقترب بين قارتين عظيمتين على الأرض أسرع مما كنا نتوقع

3 د
أستراليا تتجه شمالاً نحو آسيا بسرعة تقدر بـ7 سنتيمترات سنوياً.
التصادم سيؤدي إلى زلازل، نشاط بركاني، وظهور سلاسل جبلية جديدة.
تسبب الحركة مشاكل في نظم تحديد المواقع GPS مما يستدعي تحديثات دورية.
التصادم المحتمل يمكن أن يؤدي إلى تغيير مناخي وانقراضات في الحياة البرية.
التحركات التكتونية تشكل تحديًا جديًا لمستقبل النظم البيئية والابتكارات التقنية.
هل تخيلت يوماً أن شكل قارات الأرض قد يتغير جذرياً أمام أعين العلماء؟ يبدو أن الأمر ليس بعيداً، فهناك سباق صامت بين أستراليا وآسيا نحو تصادم ضخم ستخلف آثاره تغييراً شاملاً في مظاهر الحياة والنظم البيئية وحتى التقنية على سطح الأرض.
في الآونة الأخيرة، كشف باحثون من جامعة كيرتن الأسترالية بقيادة البروفسور تشينغ-شيانغ لي عن أن أستراليا تتحرك شمالاً باتجاه آسيا بسرعة أكبر مما كان متوقعاً – بمعدل يقارب 7 سنتيمترات سنوياً. ربما يبدو هذا الرقم بسيطاً للوهلة الأولى، لكنه مع مرور ملايين السنين يعني أن القارة تتحرك لمسافة هائلة ستجعل الاصطدام محتوماً. العلماء يصفون هذه الحركة بأنها أقرب لسرعة نمو أظافر الإنسان كل عام!
بداية جديدة لقارات العالم
من هنا تتضح الصورة، فالتحرك المستمر للصفائح التكتونية – تلك الكتل الضخمة التي تتشكل منها القارات – يجعل الأرض أشبه بكائن حي يتغير ويتطور باستمرار. يشرح البروفسور لي بأن أستراليا انفصلت عن القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) قبل ثمانين مليون سنة، وما زالت منذ ذلك الحين تتابع هجرتها شمالاً بلا توقف. هذا التقارب الكبير مع آسيا لا يعني ببساطة التلاصق الجغرافي فقط، بل يحمل معه زلازل مدمرة، نشاطاً بركانياً متزايداً، وظهور سلاسل جبلية جديدة ستعيد رسم خارطة المنطقة بكاملها.
وهنا يربط العلماء بين المسار الحالي لأستراليا وبين احتمالية تشكّل قارة عظمى جديدة في المستقبل البعيد. فلطالما مرّ كوكبنا بدورات انفصال واتحاد للقارات عبر ملايين السنين، بداية من قارة "بانجيا" العملاقة التي كانت تضم معظم اليابسة قبل أن تتشظى. واليوم، مع اقتراب أستراليا من آسيا، يلمّح بعض الباحثين إلى قارة مستقبلية قد تحمل اسم "أماسيا".
حلقة نار وكائنات في خطر
ومن اللافت أن هذا التصادم لن يكون لقاءً سلمياً، بل سيصاحبه ما يعرف بـ"حلقة النار" – وهي منطقة ذات نشاط بركاني وزلزالي هائل على حدود التصادم، وستخلق بدورها مناخات جديدة قاسية وأنظمة بيئية متغيرة كلياً. يتوقع العلماء أن تتحول مساحات شاسعة من داخل القارة الجديدة إلى مناطق قاحلة جافة، مما سيؤثر على الغطاء النباتي والحيواني، ويعيد توزيع المياه ومصادر الغذاء بشكل مختلف جذرياً عما نعرفه اليوم.
وارتباطاً بذلك، يجد المتابع نفسه أمام سؤال جوهري: ماذا عن الحيوانات والنباتات الفريدة في أستراليا؟ كثير من الكائنات مثل الكنغر والكوالا والبُلاتيبوس تطورت في عزلة شبه تامة، ما مكّنها من الاستمرار بعيداً عن مفترسات ومنافسين. لكن التصادم الوشيك سيكسر هذه العزلة، إذ ستجتاح بيئات جديدة وتتعرض لمخاطر دهماء، سواء من حيوانات وافدة أو من تغير جذري في موطنها. لذا يحذّر علماء البيئة من احتمال حدوث موجة انقراضات مؤلمة في ظل هذا الزخم الجيولوجي الهائل.
حتى تقنية تحديد المواقع مهددة!
وبالانتقال إلى تأثير ذلك في حاضرنا، نجد أن الزحف القاري السريع لأستراليا تسبب بالفعل في مشاكل لأنظمة الملاحة وتحديد المواقع (GPS). ففي عام 2016، لاحظ العلماء خطأ تجاوز المتر ونصف في بيانات المواقع الجغرافية بأستراليا، وهو فارق هائل في عالم يعتمد على الدقة الملاحية للأعمال اليومية والطيران والقطاع العسكري والسيارات ذاتية القيادة. وقد اضطرت السلطات إلى تعديل الإحداثيات يدوياً، لكن مع استمرار الحركة، تحتاج الأنظمة إلى تحديثات دورية متسارعة كي تواكب الواقع المتغير حرفياً تحت أقدامنا.
يُذكر أن تغير موقع أستراليا لا يقتصر على الحدود البرية فقط، بل سيمتد ليؤثر على حركة التيارات البحرية، ويعيد تشكيل المناخات المحلية والعالمية. فعند اقترابها من خط الاستواء، من المتوقع حدوث تغييرات ملموسة في توزيع الأمطار ودرجات الحرارة، مما سينعكس على الشعاب المرجانية الشهيرة مثل الحيد المرجاني العظيم، وعلى مجمل الحياة البحرية والنظم البيئية في المنطقة.
هكذا نجد أن حركة الصفائح التكتونية ليست مجرد ظاهرة جيولوجية صامتة، بل عملية ضخمة تترك آثاراً على الجغرافيا والحياة والابتكار من حولنا. يختم البروفسور لي بقوله: "الأرض كائن حي يتغير دوماً." وقد حان الوقت لنستشعر عمق هذه الحقيقة، ونستعد لما قد تحمله قارة "أماسيا" المستقبلية من تحديات وتحولات، لأن الجغرافيا أحياناً تعيد صياغة مصير الكوكب كله.