تكنولوجيا ثورية: ألواح شمسية تولد الكهرباء حتى في الليل

4 د
تقنية "الطاقة الشمسية الليلية" تولد الكهرباء من الاختلاف في درجات الحرارة ليلاً.
تعمل الخلايا الليلية عبر إشعاع الأشعة تحت الحمراء إلى الفضاء بدل امتصاص الطاقة الشمسية.
توفر الألواح الليلية طاقة أقل من الألواح التقليدية بسبب الفروق الحرارية المحدودة ليلاً.
تستخدم الخلايا الليلية مواد شبه موصلة لتحويل الحرارة إلى كهرباء باستخدام مولدات حرارية كهربائية.
تحتاج التقنية إلى تجارب وتحسينات لمنافسة مشاريع الطاقة الموسعة مستقبلاً.
تخيل أن تصبح ألواح الطاقة الشمسية قادرة على إنتاج الكهرباء ليس فقط في أوقات النهار، بل أيضاً خلال الليل، حين تغيب الشمس ويحل الظلام! يبدو الأمر مستحيلاً للوهلة الأولى، لكن العلماء حول العالم خرجوا بابتكار ثوري يعرف باسم "الطاقة الترمورادييتفية" أو ببساطة "الطاقة الشمسية الليلية". فكيف تعمل هذه التقنية الغريبة؟ وهل سترى طريقها إلى حياتنا قريباً؟
تخيل أنك في سهرة على سطح منزلك، تنظر إلى السماء الصافية، وبينما تشعر بنسمات الليل الباردة تداعب وجهك، هناك جهاز فوقك يعمل في صمت، يستقبل حرارة الأرض ويفرغها نحو فضاء الكون المظلم ليحول هذه الطاقة الحرارية إلى كهرباء قابلة للاستخدام. هذه هي بالضبط فكرة تكنولوجيا الخلايا الليلية، فمن قلب الاختلاف في درجات الحرارة بين سطح الأرض الدافئ وسماء الليل الباردة، تنبعث موجات تحت حمراء نحو الفضاء، ولذا قرر مهندسو الطاقة استغلال هذا السريان الحراري وتحويله إلى طاقة كهربائية متجددة.
وعلى عكس الألواح الشمسية التقليدية المعروفة التي تستمد طاقتها من امتصاص ضوء الشمس، تعمل هذه التقنيات الحديثة بعكس العملية تقريباً: فهي "تشعّ" الأشعة تحت الحمراء إلى السماء، أي أنها ترسل الحرارة المتبقية بالأرض إلى برودة الكون اللامتناهية، فتولد تياراً كهربائياً صغيراً نتيجة لهذا الفرق في درجات الحرارة. فكرة تبدو معاكسة للمنطق السائد، حيث نعتقد أن إنتاج الكهرباء يتطلب اكتساب طاقة وليس فقدانها، بينما أثبت باحثون من جامعتي نيو ساوث ويلز وستنافورد أن فقدان الجسم للحرارة يمكن أن يكون فعلاً مصدراً ناشئاً للكهرباء – فكل ما تحتاجه فعلياً فرق حراري بين الجسم المحيط والبيئة الخارجية.
ولأن اختلاف درجات الحرارة بين الشمس والأرض أثناء النهار كبير جداً، تمنحنا الألواح التقليدية طاقة هائلة في منتصف النهار، لكن فروق درجات الحرارة بين الأرض وليل الكون أقل بكثير، ولهذا تولد التقنية الجديدة طاقة أقل بكثير – من مرتبة الميلي وات لكل متر مربع مقارنة بمئات الواط للألواح المألوفة. وهذا يفسر بوضوح أن الألواح الليلية لن تكون منافسة مباشرة للطاقة الشمسية الكلاسيكية، بل هي مكملة، تمد الشبكة بالطاقة في الفترات التي تتوقف فيها الخلايا الشمسية عن العمل المعتاد، مثل الليل أو ربما خلال الأيام الغائمة.
وعند الحديث عن بنية هذه الخلايا الليلية، نجد أنها تختلف في موادها عن ألواح السيليكون المنتشرة أساساً؛ فهي تستفيد من مواد شبه موصلة متقدمة، مأخوذة من تقنيات التصوير الليلي وأجهزة الرؤية الحرارية، قادرة على التعامل بكفاءة مع الطيف تحت الأحمر، مثل مركبات كادميوم الزئبق والتلورايد. أحياناً تُدمج مع مولدات حرارية كهربائية لتحويل فارق الحرارة إلى فرق جهد كهربائي، بحيث تبرد اللوحة أسفل حرارة الهواء ليلاً، ويركّز المولد على حصد تدفق الحرارة المستمر من الهواء الأكثر دفئاً نحو اللوحة المبردة بفعل الإشعاع نحو الفضاء.
ومن هذه الخلفية التقنية، تربطنا تساؤلات جوهرية حول جدوى استثمار هذه الابتكارات. في الواقع، ما تزال تقنية "الشمس الليلية" في بداياتها المختبرية، ولم تخرج بعد كمشاريع تجارية واسعة النطاق. لكن بدأت فرق الباحثين بإجراء اختبارات ميدانية في أماكن مختلفة: من الصحاري ذو السماء الصافية حيث يمكن قياس الأداء في أفضل الظروف، إلى أسطح المباني لتتبع العوامل المناخية المؤثرة كالغيوم والرطوبة. متى ما أُثبتت فعالية التقنية وقدرتها على العمل في بيئات قاسية أو اعتمادها كمصدر ثانوي للطاقة في الأماكن النائية (أو في الأقمار الصناعية والمحطات العلمية البعيدة)، ربما نراها تدخل الأسواق تدريجياً.
ومع أن القدرة الحالية لهذه الأجهزة محدودة (تشغيل ضوء LED صغير أو دعم شحن هاتف محمول ببطء)، تشير الدراسات إلى إمكانية تحسين الأداء مع تطور المواد المستخدمة وتحسين التصميم الهندسي. وبالاستعانة بالابتكار المستمر ودعم الجهات البحثية والصناعية، يأمل العلماء في الوصول إلى مستوى إنتاج بحدود واحد إلى بضعة واط لكل متر مربع، مما يفتح أبواباً واسعة أمام الأجهزة الذكية منخفضة الاستهلاك، أو للمستشعرات، أو حتى استخدامات طبية فريدة مثل دعم بطاريات الأجهزة المزروعة داخل الجسم البشري من حرارة الجسم نفسه.
ومع تطور المشهد العلمي، من المتوقع أن تظهر مستقبلاً شراكات بين الجامعات والشركات الناشئة، وربما تتجه صناعات الطاقة الشمسية الكبرى إلى تبني طبقات هجينة تجمع ما بين الاستفادة من ضوء النهار والإشعاع الحراري الليلي، الأمر الذي قد يُقلّص الحاجة لتخزين الكهرباء نهاراً أو تحسين كفاءة أنظمة الطاقة المستدامة بشكل عام. وما نراه الآن من بوادر تجارية في قطاعات الفضاء والدفاع سينتقل لاحقاً إلى تقنيات إنترنت الأشياء والمجسات البيئية المنتشرة في الحقول أو الغابات، ثم إلى المستهلك العادي في نهاية المطاف.
هكذا نجد أن الثورة في مجال الطاقة لم تعد تعتمد فقط على الشمس الساطعة في كبد النهار، بل أضحت تطمح لاستغلال حتى برودة الليل وأشعة الكون الصامتة. وإذا أردنا الدقة في التعبير، ربما يُفضل أحياناً استخدام كلمة "التوليد الحراري الإشعاعي" بدل "الخلايا الشمسية الليلية" لأمانة المصطلح، أو التشديد على ربط الفقرات بجملة واصلة تعزز انسيابية الأفكار مثل: "ومن زاوية أخرى، تعكس هذه التطورات سعي الباحثين الدائم لتوسيع منظومة الطاقات المتجددة". ومع تقدم المعارف، لا بد أن تزداد مقالاتنا وضوحاً وربطاً بين أجزاء السرد، فازدياد دقة المصطلحات وقوة الترابط تحقّق المنفعة القصوى للقارئ العربي الشغوف بكل جديد.