ذكاء اصطناعي

ثورة علمية: هل يمكن تحويل الخلايا السرطانية إلى خلايا سليمة مجددًا؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تمكن علماء كوريا الجنوبية من إعادة برمجة خلايا سرطان القولون لتصبح طبيعية.

اكتشف الفريق جينات مثل MYB وHDAC2 وFOXA2 التي تحافظ على الخلايا الخبيثة.

ابتكار BENEIN ساعد الباحثين في تحليل الخلايا واكتشاف حلقات السيطرة الجينية.

التحدي يكمن في توصيل أدوات تعطيل الجينات بدقة داخل الجسم دون الإضرار بالخلايا السليمة.

الإنجاز يمهد لعلاجات مستقبلية قليلة السمية وتعزز الأمل في علاجات شخصية.

في خطوة تُعد بمثابة قفزة علمية مذهلة، تمكن فريق من العلماء في معهد كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (KAIST) من إعادة برمجة خلايا سرطان القولون، لتتحول من خلايا خبيثة إلى خلايا طبيعية سليمة. هذه التقنية الجديدة قد تعيد رسم خريطة علاج الأورام قريبًا، وتقدم أملًا لمرضى السرطان بتقنيات علاجية أكثر أمانًا وفعالية.

من المعروف أن علاج السرطان يعتمد غالبًا على مهاجمة الخلايا السرطانية وقتلها باستخدام العلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو حتى العلاج المناعي. ورغم الفاعلية، لا تميز هذه العلاجات دومًا بين الخلايا السليمة والمصابة، مما يسبب آثارًا جانبية تتفاوت بين الإرهاق وتضرر الأعضاء وضعف المناعة. هنا يأتي الابتكار الجديد ليغير المعادلة جذريًا: بدلًا من استئصال الورم أو قتل الخلية، يتم “إعادة تعليم” الخلايا السرطانية لتعود لحالتها الطبيعية كالخلايا المبطنة للأمعاء.

هذا التحول الهائل لم يكن ليحدث لولا اكتشاف الجينات المسؤولة عن إبقاء الخلايا في حالتها الخبيثة، وهي MYB و HDAC2 و FOXA2. كأنها مفاتيح تحكم عليا، فعندما عُطلت هذه الجينات باستخدام تقنيات حديثة مثل تداخل الحمض النووي الصغير (siRNA) أو أدوية مُصممة لكبح عملها، لاحظ الباحثون أن الخلايا أصبحت أقل عدوانية وبدأت بالفعل في اكتساب صفات الخلايا السليمة. وهنا تبرز أهمية الأدوات الحاسوبية المتطورة في علم الأحياء الحاسوبي، وتحديدًا النموذج الرياضي BENEIN، الذي ساعد الفريق البحثي في تحليل آلاف الخلايا واكتشاف حلقات السيطرة في شبكات الجينات.

ولكي نتعمق أكثر في أهمية هذا الإنجاز، لا بد أن نذكر أن سرطان القولون من أنواع السرطان الشائعة ويبدأ في معظم الأحيان بتكون زوائد أو لحميات صغيرة (بوليبس) داخل جدار الأمعاء الغليظة، قد تتحول للخبيثة مع الوقت. الكشف المبكر عبر تنظير القولون يلعب دورًا إنقاذيًا حاسمًا. في مراحل المرض الأولى، يكون التدخل الجراحي عبر استئصال القولون أو استئصال الورم كافيًا، أحيانًا بمعاونة العلاج الكيميائي بأنواعه مثل FOLFOX أو CAPOX. أما في المراحل المتقدمة التي ينتشر فيها الورم، فتُستخدم علاجات مُوجهة مثل مثبطات EGFR أو VEGF أو يُلجأ إلى العلاج المناعي الحديث في حال وجود علامات مثل MSI-H أو dMMR. كل هذه الخيارات العلاجية، رغم تقدمها، ما زالت لا تخلو من المضاعفات الخطرة على صحة المريض وجودة حياته.

وهذا بالطبع يفتح الباب لتقنيات إعادة البرمجة الخلوية، التي تستهدف الجذور العميقة للمرض، لا مظاهره فقط. نموذج BENEIN مثّل نقلة نوعية لأنه سمح للباحثين بمحاكاة سيناريوهات تعطيل عدد كبير من الجينات في آلاف الخلايا دفعة واحدة، واختبار النتائج نظريًا قبل تطبيقها في المختبر. بحجب الجينات الرئيسية الثلاثة (MYB وHDAC2 وFOXA2)، لاحظوا ليس فقط تباطؤ انقسام الخلايا السرطانية، بل استعادة صفات الخلية الطبيعية؛ وهو ما أضاء بصيص أمل بإمكان التخلص من السمّية المزمنة للعلاجات التقليدية.

التحدي الأكبر أمام تطبيق هذه الإستراتيجية الجديدة في الواقع العملي يكمن في تنوع الخلايا السرطانية في الورم نفسه، وكذلك في توصيل أدوات تعطيل الجينات (مثل الأدوية الموجهة أو الجسيمات النانوية أو العدلات الفيروسية) بدقة وأمان داخل الجسم دون الإضرار بالخلايا السليمة المحيطة. لذلك يستمر العلماء في تطوير خيارات التوصيل، وتجربة أدوات الجيل الجديد مثل مثبطات HDAC2 المتاحة عالميًا أو مركبات طبيعية مُعدلة تهاجم MYB، مع الاستفادة من مرونة تقنيات الـ RNAi وCRISPRi التي بوسعها إسكات جين معين مؤقتًا دون تغيير دائم في الشفرة الوراثية.

ذو صلة

بالانتقال بين نجاحات التجارب المخبرية ودراسات الفئران، يلاحظ الباحثون أن إعادة البرمجة الخلوية قادرة بالفعل على إبطاء نشوء الأورام أو تقليل حجمها بنسبة ملحوظة، مما يشير إلى إمكانية تطبيق العلاج في المستقبل القريب—ربما بمنهجية فردية تراعي الخريطة الجينية الخاصة بكل مريض ونوع الورم الذي يعانيه.

في المحصلة، يمهد هذا الإنجاز العلمي الكوري الجنوبي لفصل جديد في عالم علاج السرطان، عنوانه التعامل الذكي والهادئ مع الخلية المريضة بدلًا من تدميرها بعنف. وبينما تواصل فرق البحث في معهد KAIST وشركاؤها حول العالم اختبار الأمان والفعالية سريريًا، يبقى الأمل بمعالجات مستقبلية قليلة السُمّية وذات نتائج واعدة يرافق كل من يعاني هذا المرض. ولعل مزج كلمة "إعادة برمجة" بمرادفها الأقوى "استعادة الهوية الخلوية"، أو التركيز أكثر على آليات إيقاف الجينات دون تغيير دائم للحمض النووي، يزيد المقال وضوحًا ويلفت انتباه القارئ إلى الفارق العلمي العميق لهذه المقاربة الجديدة. قليل من العبارات الرابطة بين معاناة المرضى وإمكانيات العلاج الشخصي المستقبلي قد تمنح النص مزيدًا من الدفء والارتباط مع تجارب الناس اليومية.

ذو صلة