ثورة في عالم الطب: تقنية كريسبر تفتح آفاق علاجية جديدة لمتلازمة داون

4 د
أعلن علماء من جامعة مييه استخدام كريسبر لإزالة الكروموسوم الزائد في متلازمة داون.
تمكنت التقنية من تصحيح الخلل الوراثي في خلايا مصابة مأخوذة من مرضى.
أظهرت الخلايا المعدّلة تحسنًا في الإنتاج البروتيني والصحة الميتوكوندريا.
تمثل النتائج خطوة تجاه تطبيقات إكلينيكية محتملة في الطب التجديدي.
يشدد الفريق على ضرورة البحث في التحديات التقنية والأخلاقيات المرتبطة بالتحرير الجيني.
في تطوّر علمي غير مسبوق، أعلن فريق بحثي من جامعة مييه اليابانية عن نجاحه في استخدام تقنية تحرير الجينات كريسبر-كاس9 لإزالة النسخة الإضافية من الكروموسوم رقم 21 من خلايا مصابين بمتلازمة داون في المختبر، فاتحين بذلك باب الأمل أمام طرق علاجية ثورية قد تغيّر مستقبل التعامل مع هذه المتلازمة.
منذ عقود، تشكّل متلازمة داون، المعروفة أيضاً باسم التثلث الصبغي 21، واحدة من أكثر التحديات الوراثية شيوعاً حول العالم، حيث يولد بها طفل من بين كل 700 تقريباً في الولايات المتحدة. تعود أسباب المتلازمة إلى وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21، ما يؤثر على النمو العقلي والجسدي ويزيد احتمالات الإصابة بأمراض القلب، وقصور الغدة الدرقية، ومشاكل الجهاز الهضمي، وحتى الزهايمر المبكر. ولذلك، كان البحث عن طريقة لمعالجة السبب الجذري –أي المادة الوراثية الزائدة– طموحاً علمياً طال انتظاره.
وربطاً بهذا الطموح، جاءت تجربة العلماء اليابانيين لتتخطى التصورات التقليدية. فقد طوّروا نظام كريسبر مصمماً خصيصاً لاستهداف النسخة الزائدة من الكروموسوم 21 دون المساس بالنسختين الطبيعيتين في خلايا الإنسان. هذا التعديل الوراثي سمح لأول مرة بإزالة المادة الجينية الزائدة من الخلايا الجذعية المعزولة معملياً. من اللافت للنظر أن الخلايا المعدّلة بدأت تظهر أنماطاً جينية وتعبيرات بروتينية معتدلة، تشير إلى عودة وظائفها الحيوية إلى أقرب ما يمكن من الوضع الطبيعي. العلماء لاحظوا أيضاً تحسناً في إنتاج البروتينات المرتبطة بتطور الجهاز العصبي، ما يعزز فرضية أن إصلاح الخلل الجيني قد يحسّن القدرات الإدراكية مستقبلاً لدى المصابين.
عنوان رئيسي: إمكانيات وتحديات أمام الطب التجديدي
انطلاقاً من نتائج التجارب الأولية، وُسّع نطاق الاختبار ليشمل خلايا جلدية (ليست خلايا جذعية) أخذت من أشخاص مصابين بمتلازمة داون. المفاجأة أن كريسبر تمكّن كذلك من تصحيح الخلل الوراثي في هذه الخلايا المتخصصة، مما يعني إمكان تطبيق هذا الاكتشاف على أنسجة وأعضاء متعددة وليس في المراحل الجنينية فقط. بعد عملية التعديل الوراثي، أظهرت الخلايا المعالجة معدلات نمو أسرع، وأصبح الزمن اللازم لانقسامها أقصر من مثيلاتها غير المعالجة، كما تراجع إنتاجها من الجذور الحرة المعروفة بأضرارها على الخلايا وعلاقتها بشيخوخة الأنسجة. ذلك يعكس تحسناً في صحة الميتوكوندريا –المسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية– وانخفاضاً في مستويات الإجهاد التأكسدي.
ومع أن هذه النتائج أشعلت الآمال، إلا أن فريق البحث أقرّ بوجود تحديات تقنية أبرزها احتمال استهداف أجزاء أخرى من الحمض النووي بالخطأ أثناء آلية القص، ما يستدعي تطوير أدق لدلائل التوجيه الجينية المستخدمة مع كريسبر لتقليل الآثار الجانبية غير المرغوبة. هذه المعضلات تذكّرنا بأن دقّة التحرير الجيني تظل العامل الحاسم قبل الانتقال إلى تجارب سريرية موسعة.
وبالحديث عن الطب التجديدي، يعتقد العلماء أنه إذا ثبت أمان هذه التقنية وفعّاليتها طويلة المدى، فقد تُمهد الطريق لاستبدال أنسجة مصابة بأخرى مُعدلة جينياً لدى المصابين بمتلازمة داون، مما يغيّر جذرياً آفاق تحسين أوضاعهم الصحية.
هذا الإنجاز العلمي يثير أيضاً نقاطاً أخلاقية عميقة تستحق النقاش المجتمعي الواسع. ففي دول مثل آيسلندا تراجع عدد الولادات بمتلازمة داون بشكل ملحوظ بسبب فحوصات الحمل المسبقة وما يترتب عليها من قرارات. هذا الاتجاه أثار جدلاً بين المدافعين عن حقوق ذوي الإعاقة ومجتمعاتهم، الذين يرون أن مثل هذه التقنيات ينبغي أن تسعى لتحسين جودة حياتهم لا لمحاولة محو جزء من التنوع البشري. ومن هنا، شدّد الفريق الياباني على أن هدفهم الأوّل هو دراسة مخاطر وفوائد تصحيح الخلل الجيني، وليس استهداف أفراد أو مجتمع بعينه.
أما طبياً، فمن المعروف أن متلازمة داون تزيد احتمال ولادة الطفل بمشاكل في القلب –خصوصاً فتحة الحاجز الأذيني والبطيني– إضافة إلى اختلالات هرمونية، واضطرابات مناعية، واحتمالية أعلى لتطور أعراض الزهايمر بداية من الأربعينات. العلماء يرجحون أن النسخة الزائدة من الكروموسوم 21 تعزز تصنيع بروتين أميلويد، الذي يؤدي تراكمه إلى تكون اللويحات المرتبطة بخرف الشيخوخة، ولهذا يبدو تحرير الجينات أملاً جديداً للحد من هذه المضاعفات.
ارتباطاً بخطوات البحث المقبلة، يؤكد فريق مييه أن التجارب ما زالت في بدايتها، حيث تقتصر حتى الآن على خلايا معزولة في المختبر وليست أجساماً حية كاملة. يخططون لمراقبة التغيرات بعيدة المدى على الخلايا المعدّلة وتحسين دقة النظام الجيني، سعياً للوصول مستقبلاً للتطبيقات الإكلينيكية والطب التجديدي.
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث في مجال كريسبر وتحرير الكروموسومات تمثل نقلة نوعية ليست فقط لمتلازمة داون بل لمختلف الأمراض الوراثية المعقدة مستقبلاً. وقد يكون من المفيد، أثناء سرد مثل هذه الإنجازات، اختيار تعبير “تحرير الكروموسومات” بدل “إزالة الكروموسوم” عند الحديث عن الأهداف العلمية، لأن الأول يعطي انطباعاً أعرض عن دور التقنية. كما يُفضل في المقالات من هذا النوع توضيح جوانب الأخلاقيات والجدل المجتمعي إلى جانب التفاصيل العلمية، وربط كل نقطة رئيسية بجوانب تطبيقية قريبة من القارئ ليبقى الموضوع شيقاً وسهل المتابعة.