ذكاء اصطناعي

جانبا القمر يبوحان بألغاز لم تُعرف من قبل

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يكشف الجانب البعيد من القمر عن اختلافات حرارية وجيولوجية كبيرة.

أرسلت مهمة «تشانغ إه 6» عينات من حوض «ساوث بول – أيتكن» لتدرس تاريخ القمر.

العينات تشير إلى أن تكوين الجانب البعيد تم في درجات حرارة أقل بكثير.

تركيز المواد المشعة في الجانب القريب قد يفسر النشاط البركاني هناك.

فهم هذه الفوارق قد يحدد وجهات الاستكشافات القمرية المستقبلية.

لطالما اعتقدنا أننا نعرف القمر جيداً، فهو الجار السماوي الأقرب والأكثر وضوحاً في سماء الليل. لكن خلف هذا الوجه المضيء الذي نتأمله باستمرار، يختبئ جانب آخر أبعد وأكثر غموضاً. أحدث اكتشافات العلماء تكشف أن الجانب البعيد من القمر ليس مجرد نسخة أخرى من سطحه، بل يحمل بصمة مختلفة تماماً، أشد برودة وأكثر غرابة مما تصورنا.

وبينما كان هذا الجدل العلمي دائراً منذ عقود، يأتي خبر حديث ليضع النقاش في مسار جديد، مستنداً إلى أولى العينات التاريخية التي جُمعت من هذا الجزء غير المرئي.


مهمة «تشانغ إه 6» وفتح بوابة الأسرار


في يونيو 2024، نجحت الصين عبر مهمة «تشانغ إه 6» في تحقيق إنجاز غير مسبوق: إعادة عينات من حوض «ساوث بول – أيتكن»، أحد أضخم الحفر الناتجة عن اصطدام في النظام الشمسي. هذه العينات، التي تعود إلى نحو 2.8 مليار سنة، لم تكن مدهشة فقط لعراقتها، بل لأنها قدمت أدلة مادية تثبت أن درجة حرارة الجانب البعيد أقل بكثير من الجانب القريب.

هذا الاكتشاف يربط بشكل مباشر بين شكل القمر اليوم وتاريخه الحراري العميق، كما يعزز الفرضية القائلة بأن الغلاف الداخلي بين الجانبين مختلف جذرياً.


تباين بين الوجوه: صخور، حرارة، وتكوين داخلي


تحليل الصخور أظهر أن تكوينها تم في درجات حرارة تقارب 1100 درجة مئوية، وهو ما يقل عن نظيراتها من الجانب القريب بنحو 100 درجة. هذه النتيجة العلمية تضع أمام الباحثين تفسيراً جديداً للتباين بين **الماريـا** الداكنة الشاسعة على الوجه القريب، والقشرة السميكة المليئة بالفوهات على الوجه البعيد.

وهذا يقودنا إلى قلب اللغز: لماذا احتفظ الجانب القريب بنشاط بركاني واضح، بينما غلب البرود والجمود على الجانب الخفي؟


دور العناصر المشعة والفرضيات المفسرة


يعتقد العلماء أن الإجابة تكمن في توزيع العناصر المشعة مثل اليورانيوم، الثوريوم، والبوتاسيوم، والتي تُعرف اختصاراً باسم «KREEP». هذه المواد تُطلق حرارة مع مرور الزمن، وقد تركزت بكميات أكبر في الوجه القريب، ما جعله أكثر نشاطاً. النظريات تقترح أن اصطداماً هائلاً في ماضي القمر البعيد ربما أعاد توزيع هذه العناصر بشكل غير متوازن بين الجانبين.

هذا الربط بين الماضي الكوني والواقع الحالي لا يكشف فقط عن تاريخ القمر، بل يرسم صورة أوضح لتطور كواكب وأجرام أخرى في النظام الشمسي.


ماذا يعني ذلك لمستقبل الاستكشاف؟


فهم الفوارق الداخلية بين وجهي القمر قد يكون نقطة محورية لتحديد وجهات بعثات الاستكشاف القادمة. الجانب البعيد بسطحه الوعر وقفزه الزمني نحو بدايات النظام الشمسي، قد يحمل أدلة على تشكّل الكواكب الأولى وربما سرّ نشأة القمر نفسه.

ومن هنا، يبدو أن كل عينة جديدة تُعاد إلى الأرض لا تنقل معها مجرد غبار وصخور، بل تحمل قصة كاملة عن تاريخنا الكوني المكتوب بحروف من صخور باردة ونيازك قديمة.

ذو صلة

خلاصة


القمر الذي نراه مألوفاً كل ليلة ليس بالضرورة كما يبدو؛ نصفه الآخر يحكي حكاية أكثر تعقيداً عن التوازن الحراري، والاصطدامات العنيفة، والعناصر المشعة التي صنعت مستقبله ومصيره. ومع تسارع الاكتشافات، يبدو أننا على أبواب مرحلة جديدة من فهم هذا الجار الفضي، الذي لا يزال يخفي لنا المزيد من المفاجآت.

ذو صلة