جراحة ثورية ولأول مرة: استئصال ورم نادر من العمود الفقري عبر تجويف العين!

4 د
شهدت جامعة ميريلاند عملية جراحية فريدة لاستئصال ورم نادر حول العمود الفقري.
استخدم الجراحون مدخل الحجاج السفلي لعلاج ورم الكوردوما بنجاح.
تميز الفريق باستخدام المنظار الطبي للوصول إلى الورم دون إحداث ندوب مرئية.
يعكس التعاون متعدد التخصصات الثقة في الابتكار الجراحي ونتائجه الإيجابية.
بينما تواصل العلوم الطبية تحطيم الحواجز، شهد مستشفى جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة عملية جراحية استثنائية الأولى من نوعها: استئصال ورم سرطاني نادر ملتف حول العمود الفقري والحبل الشوكي لشابة في التاسعة عشرة من عمرها، وذلك عبر تجويف العين. لم يكن اختيار هذا المدخل العلاجي مصادفة، إذ فتح آفاقاً جديدة لعلاج أورام يصعب الوصول إليها تقليدياً، مثل الورم الحُبَيبي المعروف باسم "الكوردوما".
تقديم الابتكار في غرفة العمليات
في التفاصيل، كان الورم قد التف حول الفقرات العليا من عنق الفتاة، مهدداً مناطق حرجة عند قاعدة الجمجمة. وغالباً ما يشكل التعامل مع الكوردوما تحدياً جراحياً نظراً لموقعه الحساس وقربه من أعصاب وأوعية حيوية كالوريد الوداجي والشريان السباتي والأعصاب المؤثرة على النطق والبلع. شرح البروفيسور محمد لبيب، جراح الأعصاب المشرف على الفريق، أن نهجهم الفريد عبر "مدخل الحجاج السفلي" ـ أي قاع تجويف العين ـ أتاح الوصول إلى الجزء الأمامي من الحبل الشوكي دون الإضرار بهذه البنى الدقيقة، إضافة إلى تجنب المضاعفات الكبيرة المحتملة من الجراحة التقليدية خلف الرقبة. هذا الربط بين المسارات التشريحية غير التقليدية والطموح في ابتكار علاجات أقل خطورة يجسد روح الابتكار في الجامعة.
ما زاد من تعقيد المشهد أن المريضة، كارلا فلوريس، كانت تعاني أيضاً من ورم آخر كبير حول جذع الدماغ، وهو المنطقة المسؤولة عن الوظائف الحيوية الأساسية. ولعلاج ذلك أجرى الأطباء عمليتين منفصلتين: فتح جمجمة تقليدي للوصول إلى جزء من الورم، وتدخل عبر الأنف بالمِنظار الدقيق لاستئصال البقية. أوضح فريق الأعصاب وجراحة الأنف والأذن والحنجرة أنهم اتبعوا تقنيات دقيقة باستخدام المنظار الطبي، وهو أنبوب مضاء بكاميرا يوفر رؤية موسعة في المسارات الضيقة، لتقليل مخاطر الإصابة وتقسيم المهمات بين التخصصات المختلفة. وهذا يوضح مدى أهمية التعاون متعدد التخصصات في مواجهة الحالات المعقدة.
كيف يعمل المنظار وتوسيع حدود الجراحة؟
يعرف المنظار في الجراحة العصبية بقدرته على إضاءة وتكبير المناطق العميقة دون الحاجة لشقوق كبيرة، وهم هنا وظفوا هذا الجهاز عبر العين وداخل الأنف للوصول إلى الفقرات العنقية. تسمى هذه الطريقة "مدخل المنظار عبر الحجاج" أو "الفتحة الثالثة للأنف"، وهو مصطلح بدأ يظهر في بعض الأبحاث الطبية. واستند الفريق في جرأتهم إلى دراسات تشريحية على جثث، ما مهّد لوضع خطة محسوبة وغير مسبوقة. هكذا يمكن القول إن التقنية تجمع بين الحد الأدنى من التدخل الجراحي والمحافظة على الناحية الجمالية، خصوصاً أن الفريق ركّز أيضاً على إعادة بناء مدخل العين وعظم الوجنة بعد العملية باستخدام صفائح تيتانيوم وعظم مأخوذ من عظم الورك.
وأوضح د. كالبيش فاخاريا، أخصائي الجراحة التجميلية والترميمية للوجه، أن اختيار شق جراحي داخل الجفن السفلي وشق آخر من الفم مكّنهم من العمل دون ترك أي ندوب خارجية واضحة. مثل هذه التفاصيل الدقيقة تبرز تطور جراحات الأعصاب والرأس والعنق وتجسد كيف أصبحت الأولوية إلى جانب إنقاذ الحياة هي الإبقاء على جودة حياة المرضى بعد الشفاء.
ثقافة البحث والتجارب وتبرعات العلوم
النقطة الفارقة في إنجاح مثل هذه المغامرات الطبية، بحسب الفريق، ليست مهارات فردية بل تراكم الخبرات وتوفر مختبرات متطورة للتدريب العملي على الجثث البشرية الموهوبة للعلم. إذ يؤكد الأطباء أن تكامل التخصصات وتكرار الممارسات على النماذج التشريحية الحقيقية هو ما أعطى الجرأة والثقة لتنفيذ خطة العلاج هذه على مريض حي. هذا يعيدنا إلى الأهمية الإنسانية الكبيرة في دعم البحث العلمي السريرى وتمكين التعاون البحثي بين جراحي الجهاز العصبي، الأورام، العظام، التشوهات الهيكلية، والعلاجات الإشعاعية المتقدمة مثل البروتون.
تداعيات القصة ودروسها الإنسانية
رحلة كارلا مع المرض بدأت بأعراض بسيطة مثل ازدواج الرؤية، ولم تجد من يصدقها حتى أحيلت للطبيب المتخصص. تجربتها تسلط الضوء على ضرورة المثابرة لدى الشباب، وأهمية الإصغاء الطبي الدقيق. اليوم، لم تعد كارلا تحمل أي مؤشر للسرطان، وتعيش بطمأنينة، آملة بأن تصبح خبيرة تجميل أظافر مستقبلاً. انعكست قصتها على مجتمعها الطبي كحالة ملهمة لتجديد الثقة بين المريض والفريق الطبي، ودعوة لعدم الاستسلام للظروف الطبية الغامضة.
وفي خلاصة التجربة، يُجمع فريق جامعة ميريلاند الطبي أن مثل هذه الاختراقات لا تحدث من فراغ، بل ثمرة بيئة علمية تُشجع على المخاطرة المحسوبة، وتضع المريض وجودة حياته نصب أعينها. لو أعدنا كتابة محور "المنظار الطبي" بجملة تربط بسلاسة مع مقدمة الابتكار التكنولوجي، أو استخدمنا مصطلحات مثل "الجراحة طفيفة التداخل" بدل "جراحة غير تقليدية"، لأضفينا للأخبار مزيداً من الدقة والوضوح. من المهم دوماً الحفاظ على لغة متماسكة تربط التفاصيل السريرية بالجانب الإنساني، لتظل قصص الطب مصدر إلهام وبشارة بالمزيد من مفاجآت العلم في المستقبل.