ذكاء اصطناعي

جزيئة نانوية مغطاة بالسكر تُعطّل فيروس كورونا وتحقق نسبة حماية تقارب 99%

محمد كمال
محمد كمال

4 د

ابتكر فريق بحثي جزيئة نانوية مغطاة بالسكر تُعطّل فيروس كورونا بنسبة حماية 99%.

الجزيئة تعمل كطُعم وهمي للفيروس، مانعةً إياه من اختراق الخلايا البشرية.

استراتيجية الجزيئة تختلف عن اللقاحات؛ تعتمد على عزل الفيروس من الخلية.

أظهرت اختبارات مختبرية فعالية الجزيئة في وقف عدوى سلالات متعددة من الفيروس.

التقنية تمهد لتطوير منتجات وقائية مبتكرة كرشاشات الأنف ومعالجات تطهير الأسطح.

في خطوة علمية واعدة قد تغير نظرتنا لطرق مكافحة الأوبئة، أعلن فريق بحثي من جامعة سوانزي بالتعاون مع جامعتين ألمانيتين عن ابتكار جزيئة نانوية اصطناعية مغطاة بالسكر أثبتت قدرتها على حجب فيروس كورونا المستجد عن الخلايا البشرية، ما أدى إلى خفض معدلات العدوى بنسبة قاربت 99%. هذا الإنجاز يفتح باباً جديداً أمام العلاجات الوقائية خارج نطاق اللقاحات التقليدية، ويرفع الآمال بحلول أكثر أماناً وفعالية في مواجهة التهديدات الفيروسية.

تسير هذه الجزيئة المبتكرة، والتي تُعرف اصطلاحاً باسم "جليكو سيستم"، على نهج السمات البيوكيميائية لخلايا الإنسان. فهي تتكون من مادة بوليمرية تحيطها طبقة من السكريات تشابه تلك الموجودة طبيعياً على سطح خلايانا، وتحديداً سلاسل تعرف بالبوليسياليزيدات المزودة بحمض السياليك. وتعتبر هذه السلاسل هدفاً متكرراً لكثير من الفيروسات، أبرزها سارس-كوف-2، للبداية في اختراق الخلية وإطلاق العدوى. بتقليد هذا البناء الجزيئي، تعمل الجزيئة الاصطناعية كطُعم وهمي، تلتصق به البروتينات الشوكية للفيروس وتوقف قدرته على الارتباط بالخلايا البشرية الحقيقية.

العلماء هنا يشرحون أن هذه الاستراتيجية تختلف جوهرياً عن عمل اللقاحات المعهودة. فبدلا من الاعتماد على تحفيز الجهاز المناعي ضد أهداف الفيروس، يعتمد هذا الحل على عزل الفيروس مادياً عن هدفه، أي منع تماسه بالخلية من الأساس. هذا الفارق يجعلنا أمام أداة جديدة في مكافحة الفيروسات، قابلة للاستخدام في حالات تعزيز الحماية، مثل رشاشات الأنف، أو معالجات تطهير الأسطح، وبالأخص لمن يعانون من ضعف المناعة أو أولئك الذين لا يستجيبون جيداً للقاحات.


اختبارات دقيقة في المختبر

وترتكز هذه النتائج على سلسلة تجارب متقدمة استخدم فيها الباحثون وسائل حديثة لقياس التفاعلات الجزيئية وتحليل طرق الارتباط بين الفيروس والجزيئة الجديدة. اللافت أن اختباراتهم لم تقتصر على السلالة الأصلية لفيروس كورونا (سارس-كوف-2) فحسب، بل امتدت أيضاً إلى السلالة المتحورة ذات الطفرة D614G المعروفة بزيادة قدرة العدوى لديها. وقد سجل الباحثون أن الجزيئة النانوية تمكنت من تعطيل الفيروسين معاً بكفاءة ملحوظة ومن جرعات منخفضة جداً، مما يعكس قوة ترابطها وتفوق أدائها على سبيل المثال على الجزيئات المحتوية على الكبريتات غير السكرية، إذ كانت قدرتها على الإمساك بالفيروس أعلى بـ500 مرة.

هذه المعطيات التجريبية تنتقل بنا للحديث عن النتائج الفعلية حين تم اختبار فعالية الجزيئة على خلايا الرئة البشرية الحية. فقد رصد الفريق البحثي انخفاضاً في معدل العدوى تجاوز 98% بوجود المادة الجديدة، وهو أمر بالغ الأهمية إذا نظرنا إلى احتمالات تقليل الانتشار في البيئات عالية الخطورة. ويتضح أن مفتاح النجاح لا يكمن في الشحنة الكهربائية للجزيئة فحسب، بل يتعلق بالدقة الفائقة في تركيبة السكريات المحاكية للتركيب الطبيعي البشري، ما يجعل التصاق الفيروس بها فعالاً لدرجة شل نشاطه.


توثيق علمي وشراكات دولية

ومن منطلق ضمان الجدية والعلمية، أبرمت هذه الدراسة بالتعاون بين معهدين رائدين في ألمانيا وجامعة سوانزي البريطانية، وهي ثمرة جهود مشتركة جمعت بين الكيمياء والبيولوجيا والتقنيات الحيوية المتقدمة. وتعليقاً على النتائج، تقول الدكتورة سوماتي باتيا، المشرفة الرئيسية على البحث: "قيادة هذا المشروع مع الشركاء الدوليين كان تجربة مجزية للغاية. إننا نفتح اليوم نافذة جديدة لاستخدام أنظمة الجليكو الاصطناعية كاستراتيجية علاجية ليس فقط ضد فيروس كورونا الحالي، بل أيضاً لأي أوبئة قادمة تهدد البشرية".

وهنا نرى أن هذا الائتلاف البحثي يستعد الآن للانتقال إلى مراحل أكثر تقدماً تشمل تجارب بيولوجية في مختبرات عالية الأمان تدرس فعالية الجزيئة ضد مزيد من السلالات، في إطار سعيهم لتسريع عملية التحول نحو المنتجات الطبية التطبيقية.


آفاق علاجية جديدة وأمل للمستقبل

ذو صلة

وتكمن أهمية هذا الإنجاز في أنه يضع حجر الأساس لتطوير مجموعة واسعة من الأدوات المضادة للفيروسات، مثل رذاذ الأنف الواقي، أو منظفات للأسطح قادرة على الحد من انتقال العدوى وخاصة في الأماكن المزدحمة والمستشفيات. ولا يخفى أن فئة كبار السن وذوي الأمراض المزمنة أو من يعانون نقص المناعة سيكونون المستفيد الأول من طرق الوقاية الجديدة هذه، خاصة مع تكرار ظهور طفرات الفيروس التي تقوّض أحياناً فعالية اللقاحات الحالية. وبالتالي، يمثل هذا النهج إضافة أساسية إلى الترسانة الطبية، ولاسيما بفضل اعتماده على فهم عميق لعلم البيولوجيا الجزيئية والكيمياء الحيوية للفيروسات.

في المحصلة، فإن التقنيات المعتمدة على الجزيئات النانوية السكرية تتيح لنا تصور عالم يحارب الأوبئة ليس فقط عبر استجابة المناعة، بل أيضاً بإبداع أساليب تحاصر الفيروس وتعطل سلوكه من الجذور. ويرى خبراء صحة عامة ومختصون في الأمراض المعدية أن مثل هذه الحلول المبتكرة ستساعد الإنسانية على الصمود في وجه الجوائح والتحديات المستقبلية بثقة أكبر ومرونة أعظم.

ذو صلة