جسدك أضعف من أن يحتمل المريخ… هل سنموت قبل أن نصل؟

3 د
الطب الفضائي يحمل الحلول لتحديات الإنسان في المريخ، بتقنيات تعامل مع الصعوبات الصحية.
يعاني رواد الفضاء من فقدان الكتلة العضلية وانخفاض كثافة العظام في بيئة انعدام الوزن.
يؤثر الإشعاع الفضائي على المناعة ويرفع احتمالات الإصابة بالسرطان واضطرابات النوم.
تساعد الابتكارات الطبية الفضائية كالخلايا الجذعية على علاج تأثيرات الفضاء وتحسين الصحة الأرضية.
شراكات العلوم الطبية ووكالات الفضاء ضرورية لتحقيق حلم السفر إلى الكواكب البعيدة.
من منا لم يحلم في صغره باكتشاف العوالم البعيدة والسير فوق سطح المريخ، ذلك الكوكب الأحمر البعيد الذي كثيرًا ما ألهم الخيال العلمي؟ الواقع أن حُلم بناء مستعمرة بشرية على المريخ أو على الأقل إرسال بعثة بشرية طويلة الأمد إلى هناك يصطدم بتحديات لم يتصورها الكثيرون. ولعل أبرز هذه العقبات هو جسد الإنسان نفسه، الذي لم يُصمم لمواجهة قسوة الفضاء. ولكن هنا يبرز دور "الطب الفضائي" الذي قد يكون جواز المرور لحلمنا بكل ما فيه من مخاطرة وإثارة.
حتى الآن، يخضع رواد الفضاء لاختبارات صارمة للغاية، فلا يُسمح بالسفر خارج كوكب الأرض إلا لمن يتمتع بصحة ممتازة وخلو من أمراض شائعة مثل السكري، أمراض القلب أو هشاشة العظام. فالبقاء في بيئة "انعدام الوزن" أو ما يُعرف بالمايكروغرافيتي لفترات طويلة يترك آثارًا شديدة على الجسم، مثل فقدان الكتلة العضلية، انخفاض كثافة العظام بشكل يشبه الشيخوخة المبكرة، ومخاطر مقاومة الإنسولين واضطرابات الجهاز الدوري. وهذه حقيقة تؤكدها تجارب العلماء في محطة الفضاء الدولية، حيث عانى العديد من الرواد من تحولات سريعة في الصحة الجسدية والنفسية.
هنا يرتبط نقاشنا حول صرامة اختيار رواد الفضاء بظهور علم "الطب الفضائي" كحقل يهتم بالتحديات الصحية الفريدة التي تواجه الإنسان في الفضاء. حيث يشكل هذا العلم مجالًا متناميًا يدرس كيفية حماية الجسم البشري من تأثير الإشعاعات الكونية، والضغط النفسي الناتج عن العزلة، واضطراب الساعة البيولوجية، بل وحتى كيف يمكن التعامل مع الجروح أو الأمراض في غياب الجاذبية. وتصف الباحثة شونا باندايا، وهي رائدة فضاء وباحثة في معهد العلوم الفضائية الدولي، كيف كان يُقال للأطفال الذين شُخِّصوا بمرض السكري: "يمكنك أن تكون أي شيء، إلا رائد فضاء". واليوم، يسعى الطب الفضائي لتغيير هذه النظرة، ليصبح السفر خارج الأرض حُلمـًا أقرب للجميع.
تأثيرات الفضاء على جسد الإنسان
عند الحديث عن استيطان المريخ عربياً أو إقامة قواعد علمية دائمة على سطحه، تظهر جملة من التحديات الطبية؛ أولها انعدام الجاذبية الذي يؤثر على العضلات والعظام، فتضعف القوة البدنية ويصبح الرواد عرضة للإصابات وهشاشة العظم. وهناك أيضًا تأثير الإشعاع الفضائي القوي، الذي يرفع احتمالات الإصابة بالسرطان ويؤثر على مناعة الجسم. ولا ننسى اضطرابات النوم الناتجة عن غياب التتابع الطبيعي لليل والنهار، والتأثيرات النفسية الكبيرة للعزلة الطويلة. كل هذه التحديات تجعل بعثات الفضاء أكثر من مجرد مغامرة، بل اختبار حقيقي لقدرة الطب والعلم على حماية الإنسان.
ومن هنا، ينتقل موضوعنا إلى كيف يمكن للابتكار الطبي والممارسات الجديدة مثل العلاج بالخلايا الجذعية، التغذية الخاصة، وتمارين المقاومة الذكية أن تساعد الرواد على التعافي من تأثيرات انعدام الوزن وحماية أعضائهم الحيوية. كما أن تطوير أجهزة محمولة للعناية الصحية على متن المركبات الفضائية قد يصبح مقياسًا جديدًا للتقدم الطبي البشري. الجدير بالذكر أن الأبحاث في هذا المجال ليست مخصصة فقط للفضاء؛ فالابتكارات الناتجة عنها تفيد أيضًا الطب الأرضي، وخصوصًا في علاج هشاشة العظام أو إصابات العصب أو التحكم بمستويات السكر في الدم.
يسرّنا الآن أن نربط بين مساعي استكشاف الفضاء والابتكارات الطبية، ليتضح لنا أن العلم الذي يواجه تحديات المريخ يساعد أيضًا مئات الملايين على الأرض. فالأدوية، والأجهزة الذكية، وتحسين الخدمات الصحية في أقسى الظروف هي ثمرة لتعاون أطباء الفضاء والباحثين في العالم كله.
في نهاية رحلة قصيرة بين أحلام الفضاء وتحديات الجسد البشري، يتبين أن مرونة الروح البشرية وحدها ليست كافية للوصول إلى أبعد الكواكب. المطلوب شراكة حقيقية بين العلوم الطبية ووكالات الفضاء حتى نصبح يومًا ما زوارًا حقيقيين للمريخ. وبينما ننتظر ذلك اليوم، لا شك أن ما يتعلمه الطب الفضائي من أسرار حماية الرواد سيعود بالنفع على كل بيت وعيادة ومستشفى في كوكبنا الأزرق.