ذكاء اصطناعي

جهاز ثوري يحول النفايات البلاستيكية إلى وقود دون الحاجة لمحفزات باهظة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

ابتكرت جامعة ييل تقنية لتحويل البلاستيك إلى وقود دون الحاجة لمحفزات مكلفة.

التقنية تعتمد على مفاعل كربوني مطبوع ثلاثي الأبعاد بتحكم دقيق لتدفق المواد.

وصلت نسبة تحويل البلاستيك إلى وقود إلى 66% مع الحفاظ على كفاءة مرتفعة.

توفر التقنية فرصًا لتطبيقات صناعية واسعة بدون الحاجة لعناصر مكلفة.

تعد هذه القفزة خطوة مهمة في تقليل أعباء المخلفات البلاستيكية عالميًا.

تخيل أن أكياس البلاستيك وزجاجات الماء التي تتراكم في مكب النفايات قد تصبح قريبًا مصدرًا محتملاً للطاقة، وليس عبئًا بيئيًا. هذا ما توصل إليه فريق بحثي من جامعة ييل، عندما ابتكروا تقنية جديدة وفعالة لتحويل البلاستيك المهمل إلى وقود ومواد كيميائية نافعة، وكل ذلك من دون الحاجة لاستخدام محفزات كيميائية باهظة أو معقدة. النتائج الواعدة لهذه التقنية ظهرت حديثًا في مجلة Nature Chemical Engineering، وهي تفتح بابًا للأمل في التعامل مع أزمة المخلفات البلاستيكية المتصاعدة عالميًا.

على مدى سنوات طويلة، اعتُبرت عملية التحلل الحراري أو "البيروليز" وسيلة واعدة لإعادة تدوير البلاستيك لكنها غالبًا ما احتاجت إلى محفزات، وهي مواد تسهم في تسريع التفاعلات الكيميائية وإنتاج كميات أكبر من المنتجات النهائية. إلا أن هذه المحفزات مكلفة وتتعرض للتلف، ما حد من انتشار هذه الأساليب في المصانع وعلى نطاق واسع. النقطة الفارقة في بحث ييل أن الفريق تجاوز هذه العقبة عبر تطوير عملية تحلل حراري خالية من المحفزات، ومع ذلك تبقى كفاءتها مرتفعة جدًا مقارنة بالطرق التقليدية.

تعمل التقنية عن طريق جهاز فريد من نوعه: مفاعل كربوني ثلاثي الأبعاد مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ويتكون من أعمدة مسامية بحجم متدرج بدءًا من ملليمتر ومرورًا بنصف ملليمتر وحتى نانومتر واحد. هذا التوزيع الدقيق للأحجام يتيح المزيد من التحكم بتدفق المواد وتفاعلها داخل المفاعل، فيمنع الجزيئات الكبيرة من الخروج قبل تمام تكسيرها ويحافظ على انتظام درجات الحرارة منعًا لظهور ما يعرف بـ "الكوكينغ" أو التكتلات الكربونية الضارة بالعملية. وبهذه الطريقة، تمكن العلماء من تحسين معدل تحويل النفايات إلى وقود ومواد نافعة أخرى بشكل غير مسبوق.


نتائج فارقة في كفاءة تحويل البلاستيك

نتائج التجربة كانت ملفتة للغاية: عند تطبيق هذه التقنية على بولي إيثيلين، الذي يوجد بكثرة في النفايات المنزلية، وصل معدل التحويل إلى نحو 66%، وهو رقم قياسي في هذا المجال. ويعني هذا أن ثلثي البلاستيك المستخدم يمكن إعادة تدويره مباشرة إلى مواد تدخل في إنتاج الوقود أو الصناعة. النقطة اللافتة هنا أن الاعتماد على بنية المفاعل المسامية التي حصل عليها العلماء عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد هو سر النجاح، إذ أتاح لهم التحكم الفعال في مراحل العملية وتجنب خسارة الطاقة أو المواد.

وهذا التطور يفتح الباب أمام الحديث عن إمكانيات التعميم والتوسع في التطبيق الصناعي، حيث أن التقنية الجديدة لا تعتمد على عناصر نادرة أو مكلفة في السوق.

بعد هذا الإنجاز الأولي، اتجه الباحثون لتجربة نسخة أكثر بساطة ويسرًا يمكن تنفيذها في المصانع على نطاق أوسع باستخدام شرائح كربون كثيفة التجهيز متوفرة تجاريًا. المفاجأة أن هذه النسخة، رغم بساطتها مقارنة بالمفاعل المطبوع ثلاثي الأبعاد، قدمت نتائج مبهرة أيضًا: حيث حققت كفاءة تحويل تجاوزت 56% مع المحافظة على انتقائية عالية للمنتجات المرغوبة. وهذا يوضح أن التقنية ليست محصورة في بيئات معملية ضيقة، بل لديها فرص واضحة لتغيير معادلة تدوير البلاستيك عالميًا.

ذو صلة

يمثل هذا الإنجاز قفزة نوعية في طريق تقليل أعباء المخلفات البلاستيكية على الكوكب، خاصة في ظل تحذيرات متواصلة من تضاعف حجم النفايات والمخاطر البيئية المترتبة عليها. ومن اللافت أن تحويل البلاستيك إلى منتجات نافعة ووقود بأسلوب انتقائي وكفء، وبدون محفزات معقدة أو استخدام طاقة هائلة، يمكن أن يغير تعاملنا ليس فقط مع النفايات ولكن مع مفهوم "المورد المهدر"، ويعيد تدويرها في مصاف المواد الأولية للأجيال القادمة.

وفي ضوء كل ذلك، فإن استمرار تطوير هذه التقنية وتخصيصها للتعامل مع أنواع أخرى من البلاستيك قد يعزز كثيرًا من جدواها، وربما يكون من المثالي إضافة جملة رابطة توضح كيف أن استبدال كلمة "تحلل حراري" أحيانًا بمصطلح "تدوير حراري انتقائي" قد يمنح القارئ فهمًا أفضل للتقنية الجديدة. أيضًا، تضييق التركيز على الجوانب البيئية والتشغيلية وضبط الترابط بين الفقرات سيسهم في تقريب الصورة للقراء غير المختصين. ومع كل خطوة علمية من هذا النوع، يبقى الأمل معقودًا على الابتكار لمواجهة تحديات زمننا الحديث.

ذو صلة