ذكاء اصطناعي

هل يحل حذف الملفات أزمة نقص المياه في بريطانيا؟

مصطفى يسري
مصطفى يسري

3 د

تشجع الحكومة البريطانية على حذف الرسائل والملفات الرقمية لتقليل استهلاك مراكز البيانات للمياه.

يستهلك تشغيل مراكز البيانات المياه لتبريد الخوادم، مما يؤثر على الموارد الطبيعية.

ابتكارات تقنية، مثل التبريد بالسائل أو وضع الخوادم في البحار، تسعى لتقليص استهلاك الماء.

تساهم العادات الرقمية للفرد في تخفيف الضغط على الموارد الطبيعية وتحسين استهلاك الماء.

في بريطانيا، أصبح الحديث عن أزمة الجفاف أكثر جدية من أي وقت مضى، لدرجة أن الحكومة البريطانية أطلقت نصيحة غير اعتيادية: احذف رسائلك القديمة وصورك الرقمية للمساهمة في إنقاذ المياه! هذه الدعوة الغريبة قد تثير الدهشة، لكنها تكشف عن جوانب خفية تربط بين العالم الرقمي الذي نعيش فيه واستنزاف الموارد الطبيعية على كوكب الأرض.

تشير توصيات "المجموعة الوطنية للجفاف" التابعة للحكومة إلى أن المواطنين ليسوا فقط مطالبين بتقليل استهلاك الماء في المنزل، مثل غلق الصنابير أو إصلاح التسريبات، وإنما أيضاً بإعادة التفكير في عاداتهم الرقمية. لكن كيف يرتبط حذف بريد إلكتروني بكوب الماء الذي نشربه يومياً؟


الملفات الرقمية... وجه آخر لاستهلاك الماء

قد تبدو البيانات الرقمية، مثل البريد الإلكتروني أو الصور المخزنة سحابياً، كأنها مجرد رموز إلكترونية لا تستهلك أكثر من بعض الكهرباء. في الواقع، يستهلك تشغيل مراكز البيانات، تلك العنابر العملاقة التي تخزن وتدير ملايين من الملفات الرقمية، كميات هائلة من الماء في عمليات التبريد. في بعض التقارير، تُقدر استهلاكات مركز بيانات صغير واحد بأكثر من 25 مليون لتر ماء سنوياً، خصوصاً إذا كان يعتمد على طرق تبريد تقليدية تعتمد على التبخير.

وهنا يأتي الربط المنطقي بين حذف الملفات من بريدك الإلكتروني أو التخزين السحابي، وبين توفير الماء: كلما قلّت البيانات المخزنة فعلياً، قل العبء على هذه المراكز، وبالتالي ينخفض الطلب على الماء المستخدم في الحفاظ على حرارة الخوادم. هذا المفهوم لا يزال غريباً على الكثيرين، لكنه يشير إلى حجم التداخل بين العادات الرقمية والموارد الطبيعية.


الابتكارات التقنية تخفف العبء البيئي

ما يدعو للاهتمام أيضاً أن شركات التقنية الكبرى لم تغفل عن هذا التحدي. فقد قامت شركات مثل مايكروسوفت بتطوير حلول مبتكرة لتقليل استهلاك مراكز البيانات للماء، مثل غمر الخوادم في سوائل خاصة، أو حتى وضعها في أعماق البحار للاستفادة من التبريد الطبيعي. إلا أن وتيرة الاستهلاك تتجاوز أحياناً قدرات هذه الابتكارات في ظل النمو المستمر للبيانات.

من هنا تتعزز فكرة أن التغيير في عادات الأفراد يمكن أن يسهم بشكل جماعي في التخفيف من الضغط على قطاع المياه. وهذا يبين كيف أن تصرفاً صغيراً مثل حذف رسالة إلكترونية قد يكون جزءاً من سلسلة تأثيرات أوسع نطاقاً.


الجفاف في بريطانيا... أرقام مقلقة وحلول غير تقليدية

تأتي هذه التوصيات غير المألوفة في ظل موجات حارة متتابعة تشهدها المملكة المتحدة هذا الصيف، مع تسجيل الأشهر الستة الأخيرة كأجفّ فترة منذ عقود. وقد أعلنت خمس مناطق رسمياً حالة الجفاف الكامل، بينما تمر مناطق أخرى بمرحلة جفاف طويلة ومقلقة. وحتى الآن، تشير البيانات الحكومية إلى أن الحملات للتوعية ساهمت في تقليل استهلاك الماء بنسبة 20% في بعض المناطق، مع الإشارة أيضاً إلى أهمية إصلاح التسريبات المستمرة—فمثلاً يمكن للصنبور أو المرحاض المتسرب أن يهدر مئات اللترات من الماء يومياً.

ذو صلة

وبالعودة للنقطة السابقة، توضح هذه التوصيات كيف أن الحكومة البريطانية تبحث عن حلول حتى خارج نطاق الأفكار المألوفة، بهدف كبح أزمة المياه قبل أن تتفاقم. بعدما نجحت الرسائل التوعوية في خفض الاستهلاك المنزلي، بات التركيز يحوم حول الجوانب الأقل وضوحاً، كالعالم الرقمي الذي يختبئ فيه استنزاف لا يُرى بالعين المجردة، لكن أثره ملموس في البيئة.

خلاصة القول، أصبحت علاقة الإنسان بالتقنية وثيقة لدرجة أن إدارة الموارد الطبيعية لم تعد مقتصرة على السلوكيات التقليدية كترشيد المياه في المنزل أو إصلاح التسريبات، بل امتدت لتشمل تعاملنا مع بياناتنا الرقمية. وبين التخزين السحابي، مراكز البيانات، تبريد الخوادم، التحول للطاقة المتجددة، ومحاربة الجفاف، تظهر صورة متداخلة لعصر جديد من الأزمات البيئية تتطلب حلولاً إبداعية وتعاوناً جماعياً على كل المستويات. ربما يبدو حذف رسالة إلكترونية تصرفاً متواضعاً، لكنه قد يكون حلقة صغيرة في سلسلة النجاة من شح المياه، إذا التزم بها الجميع.

ذو صلة