ذكاء اصطناعي

حل لغز البقع الشمسية بعد أربعة قرون: كيف تظل مستقرة رغم عنف الشمس؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

حل العلماء لغز استقرار البقع الشمسية رغم القوى الشمسية العنيفة.

البقع الشمسية تحمل حقولاً مغناطيسية قوية تفوق جهاز الرنين المغناطيسي.

ابتكر الباحثون طريقة لإزالة التشويش الأرضي لتحليل البقع الشمسية بدقة.

التوازن بين القوى المغناطيسية وضغط الغاز يضمن استقرار البقع.

الاكتشاف يعزز التنبؤ بالعواصف الشمسية وحماية البنية التحتية الأرضية.

منذ اللحظة التي وجّه فيها جاليليو منظاره إلى الشمس في القرن السابع عشر واكتشف البقع السوداء التي تزين سطحها، بدأ فضول العلماء حول سر هذه الظاهرة الغامضة. فهذه البقع الشمسية، التي نراها كنقاط داكنة على قرص الشمس، يمكن أن تبقى ظاهرة للعيان من أيام إلى شهور، لكن لماذا تصمد في وجه القوى الهائلة على هذا النجم العملاق طوال هذه المدة؟ سؤال طالما أربك علماء الفيزياء والفلك لأكثر من 400 عام، حتى زفّ فريق ألماني دولي مؤخرًا خبر فك شيفرته أخيرًا.

في بحث حديث نُشر بمجلة "علم الفلك والفيزياء الفلكية"، قدم باحثون من معهد فيزياء الشمس في ألمانيا منهجًا ثوريًا لقياس استقرار البقع الشمسية بدقة لم تكن ممكنة من قبل، وذلك عبر تطوير طريقة فائقة لتعويض تأثيرات الغلاف الجوي على الصور الملتقطة من الأرض. هذا التقدم أتاح لهم فحص التوازن بين ضغوط الغاز وقوة الحقول المغناطيسية داخل البقع بدقة فضائية، ليكتشفوا سر تماسكها وبقائها رغم الاضطرابات الشرسة على سطح الشمس.

وهنا نصل لنقطة محورية، إذ تُعتبر البقع الشمسية مناطق ذات تركّز غير عادي للحقول المغناطيسية، يمكن مقارنتها بقوة جهاز الرنين المغناطيسي في المستشفيات، لكنها تتسع لتغطي سطحًا أكبر من كوكبنا الأرض بأسره. رغم أنها تبدو أكثر برودة من باقي سطح الشمس – وبالتالي داكنة – إلا أن البقع الشمسية المتواجدة منفردة ستبدو أكثر توهجًا من اكتمال القمر ذاته لو شاهدناها من مسافة الشمس نفسها! هذا الأمر يثير كثيرا من الأسئلة حول أثرها في دورة النشاط الشمسي المعروفة بدورتها التي تبلغ 11 سنة، وتتزامن مع زيادة العواصف الشمسية والانبعاثات القوية للبلازما.

الصلة الوثيقة بين هذه الظواهر والنشاط الشمسي تعيدنا إلى المخاوف من تأثير تلك العواصف على الأرض. فالبقع الشمسية ليست مجرد مشهد كوني مثير، بل هي مؤشر مهم لحدوث انفجارات شمسية قد تعطل الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية أو حتى تسبب انقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق. وهنا تأتي أهمية فهم القوى التي تحفظ تماسك هذه البقع، لأن أي اختلال فيها قد يشير إلى بداية أحداث مناخية فضائية تهدد التكنولوجيا والبنية التحتية الحديثة.

التوازن المثالي: سر استقرار البقع الشمسية
استكمالًا لموضوع التوازن بين القوة المغناطيسية وضغط الغاز، بيّن الباحثون أنّ الصعوبة الأساسية تكمن في رصد هذه القوى بدقة من مرصد أرضي تقليدي بسبب التشويش الأتوماتيكي الذي يسببه الغلاف الجوي. ولحل هذه المشكلة استعان العلماء بتقنية مبتكرة نشأت في معهد ماكس بلانك الألماني وقاموا بتحسينها بإزالة تأثير التشويش الأرضي، مستفيدين من تلسكوب جريجور الشمسي العملاق في إسبانيا. وبمعدّات متطورة تعتمد على تحليل استقطاب الضوء المنبعث، استطاعوا قياس الحقول المغناطيسية داخل البقع بدقة غير مسبوقة تماثل تلك التي توفرها الأقمار الاصطناعية ولكن بتكلفة أقل بكثير.

هنا يتضح أن نجاحهم في تسجيل توازن مطلق بين القوى المغناطيسية وضغط الوَناء داخل كل بقعة هو العامل الرئيسي وراء صمودها الطويل رغم الطبيعة المضطربة للنجم الشمس. دون هذا الاتزان، تنهار البقعة فورًا أو تنهشها الانفجارات الصغيرة المتتالية، وهو ما يفسّر ندرة حدوث مثل تلك الأحداث أو انهيار بقع ضخمة بشكل مفاجئ.

تطبيقات عملية مستقبلية لحماية الأرض
إذا عدنا إلى تداعيات هذا الاكتشاف، نجد أنه لا يحل لغزًا علميًا تاريخيًا فحسب، بل يقدم أدوات جديدة لتحسين دقة توقعات العواصف الشمسية ومخاطرها. بهذه الرؤية، يصبح من الممكن التنبؤ بمتى تتحول البقعة المستقرة إلى بؤرة خطر تطلق توهجات شمسية هائلة أو انبعاثات تاجية مدمرة. ومع توغل مجتمعنا المعاصر في الاعتماد على الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات والشبكات الإلكترونية، تصبح معرفة لحظة اقتراب البقع من الفوضى عاملًا حيويًا لتحصين الأرض والبشرية.

ذو صلة

وهذا يربط بشكل مباشر بين البحث العلمي وأمان البنية التحتية الحديثة، ويوضح كيف كانت دراسة البقع الشمسية بوابة لفهم أعمق للبيئة الفضائية وقدرات البشر على التكيف معها والاستعداد لمفاجآتها.

أخيرًا، تأتي هذه النتيجة لتثبت كيف يتكامل الابتكار التقني مع التحليل العلمي ويعيدان قراءة الكون بمنظور جديد، ويقرباننا خطوة من حماية عالمنا ضد المخاطر الكونية الخفية. ربما لو استبدلنا كلمة "بُقع" بعبارة "أسرار الشمس الغامضة"، لأضفينا مزيدًا من الجاذبية على العنوان. كما أن التوسع قليلاً في الربط بين الظواهر الفضائية وحياة الناس اليومية يُضفي إحساسًا بالترابط بين العلم والواقع – وهو ما يجعلنا دومًا أكثر إقبالًا نحو مواكبة أخبار العلم بشغف وفضول دائم.

ذو صلة