حل لغز جريمة قتل هزت العصور الوسطى بعد 700 عام!

3 د
توصل باحثون بريطانيون لتفاصيل جديدة حول جريمة اغتيال حدثت منذ 700 سنة.
الجريمة كانت ضد الكاهن جون فورد في لندن عام 1337 بالقرب من كاتدرائية سانت بول.
تشير الوثائق إلى أن الجريمة كانت انتقامًا بسبب علاقة الكاهن مع سيدة نبيلة.
قام بتحليل الوثائق فريق من علماء جامعة كامبريدج باستخدام منصة "خرائط جرائم القتل".
الجريمة نفذها ثلاثة رجال مرتبطين بالسيدة إيلا فيتزباين، انتقاما لعقوبة الكنيسة.
من بين ملفات القضايا التاريخية القديمة التي بقيت دون حل لقرون طويلة، تبرز الآن قضية اغتيال مثيرة تعود لأكثر من 700 سنة، بفضل جهود باحثين بريطانيين تمكنوا أخيراً من العثور على تفاصيل جديدة قد تكشف هوية القاتل والدوافع المحتملة لهذا العمل الإجرامي الغامض.
بدأت القصة التي تبدو وكأنها حلقة من مسلسل تاريخي مثير في لندن عام 1337 مع جريمة اغتيال الكاهن جون فورد على شارع مزدحم في محيط كاتدرائية سانت بول. للوهلة الأولى تبدو جريمة قتل رجل دين شيئاً لا يمكن تصوره، فمَن يا ترى يمكن أن يقتل قساً دون سبب واضح؟
لكن مجموعة من العلماء في معهد علم الجريمة بجامعة كامبريدج تمكنت مؤخراً من إماطة اللثام عن هذا اللغز، مستعينين في ذلك بمشروع "خرائط جرائم القتل في العصور الوسطى" وهو عبارة عن منصة إلكترونية تفاعلية توثق عشرات الجرائم التاريخية في مدن إنجليزية قديمة كأكسفورد ويورك ولندن، مستندةً إلى سجلات ووثائق قضائية وسلمية قديمة باللاتينية مترجمة بعناية. من خلال تحليل الوثائق وتدقيقها، استطاع الباحثون ترتيب الأحداث الزمنية والتوصل إلى بعض الحقائق الصادمة حول دوافع الجريمة.
وتشير أبحاث الفريق إلى أن الجريمة لم تأتِ من عدم، بل يرجح أنها كانت انتقاماً من جرّاء قضية مثيرة للجدل. فالكاهن جون فورد، وفقاً للوثائق التاريخية ورسائل موثقة، كانت له علاقة محرمة مع سيدة نبيلة من الطبقة الأرستقراطية تُدعى "إيلا فيتزباين". لدى اكتشاف العلاقة من قِبل رئيس أساقفة كانتربري "سايمون ميفام"، قام الأخير بإصدار حكم علني ضد إيلا لارتكابها الخطيئة، وقد فُرضت عليها كفارة مهينة تتمثل في السير حافية القدمين كعقوبة مذلّة في كاتدرائية سالزبوري لمدة سبع سنوات متتالية.
التفاصيل التي كشفها الفريق البحثي لا تقف عند حد الخيانة الزوجية، بل امتدت لكشف جرائم أخرى تورطت فيها إيلا بمساعدة زوجها نفسه والكاهن فورد، منها سرقة حيوانات من دير وذلك لطلب فدية. لكن ربما خان الكاهن فورد إيلا في النهاية، ما أدى لاكتشاف علاقتها في العلن. من هنا يبدو الانتقام دافعاً واضحاً؛ خاصة أن الوثائق تبيّن أن القتلة كانوا ثلاثة رجال على علاقة مباشرة بـ إيلا نفسها: شقيقُها واثنان من خدمها السابقين.
وقد علّق البروفيسور مانويل آيزنر، أحد كبار مؤلفي الدراسة، قائلاً: "هذا المشهد قد يخرج من رواية درامية: جريمة مخطط لها بعناية فائقة، أبطالها من عائلة النبلاء، تحمل دافع الانتقام شخصياً بعد عقوبة قاسية طالبت بها الكنيسة، وبخاصة أن الكاهن فورد بقي دون عقوبة حقيقية."
وكانت لحظة التنفيذ في عام 1337 استغلالاً كون رئيس الأساقفة "ميفام" الذي عاقب إيلا قد توفي عام 1333، وهي بارزة تشير بوضوح إلى التخطيط المسبق والصبر لدى إيلا حتى حانت ساعة الانتقام الملائمة. بحسب الشهود والسجلات القديمة، هاجم الرجال الثلاثة الكاهن في وضح النهار وأمام المارة، إذ قام أحدهم بقطع عنقه بينما طعنه الآخران في البطن ؛ لتؤكد التقارير دموية هذه الجريمة وبرود أعصاب منفذيها.
القضية، على الرغم من قدمها وتاريخها البعيد، تمثل مثالاً مدهشاً لقدرة البحث العلمي والتقني اليوم على كشف الحقائق التي ظلت خفية لقرون عدة. ربما لو ركز الباحثون أكثر على علاقة إيلا وآثارها على محيطها وحياتها الاجتماعية والتاريخية بعد الجريمة لظهرت مزيد من التفاصيل. وكذلك كان من الممكن استخدام مصطلحات ذات طابع درامي أو غامض أقوى لتكثيف التفاعل مع النص وجذب انتباه أكبر. ومع ذلك، فتلك الجريمة الغامضة والقديمة تثبت أن التاريخ يحمل دائماً في طيات صفحاته قصصاً مثيرة وقضايا لم تُحل تكشفها الأبحاث الحديثة.