ذكاء اصطناعي

حواسيب من الفطر؟ العلماء يفتحون بابًا جديدًا لعصر إلكترونيات عضوية بالكامل

Abdelrahman Amr
Abdelrahman Amr

3 د

دراسة تكشف عن إمكانية استخدام الفِطريات كبديل للمعادن في صناعة الشرائح الإلكترونية.

الشبكات العصبية في الفِطريات تستطيع تخزين البيانات بطرق تشبه الشرائح الإلكترونية الحديثة.

الفِطريات الشيتاكي والأبيض أثبتت قدرتها على العمل كـ "ميمريستور" عضوي.

الفِطريات حافظت على الذكريات الكهربائية بدقة تصل إلى 90٪ في التجارب المعملية.

قد يحدث دمج الأنظمة البيولوجية مع الدوائر الإلكترونية ثورة في التكنولوجيا الحيوية.

من كان يتخيل أن الفِطريات، تلك المخلوقات التي نجدها في الطبيعة أو على أطباقنا، يمكن أن تصبح يوماً ما بديلاً للمعادن في صناعة الشرائح الإلكترونية؟ دراسة علمية جديدة تفتح آفاقاً مذهلة لعصرٍ تكنولوجي أكثر استدامة وصداقة للبيئة، حيث يمكن للفِطر أن يُغذّي أجهزة الكمبيوتر مستقبلاً.

الفكرة التي طرحها باحثون عبر مجلة علمية محكّمة تعيد تعريف مفهوم "الذكاء الحيوي"؛ إذ تبيّن أن الشبكات العصبية الطبيعية في الفِطريات تمتلك القدرة على تخزين البيانات ومعالجتها بطريقة تحاكي الشرائح الإلكترونية الحديثة. هذا التحول نحو “الإلكترونيات الحيوية” يَعِدُ بتقليل استهلاك الطاقة المُهدَرة في وضع الاستعداد، وهو ما أشار إليه أحد الباحثين قائلاً إن ذلك قد يمثل ميزة اقتصادية وحوسبية كبيرة في الوقت نفسه.

وهذا الانتقال من المقلاة إلى المختبر يوضح كيف أن خصائص الفِطريات الفريدة جعلتها هدفاً للعلماء الباحثين عن بدائل للسيليكون التقليدي في صناعة الرقائق.


الفِطريات كذاكرة حية

اعتمد العلماء في تجاربهم على نوعين مألوفين من الفِطر هما الشيتاكي والفِطر الأبيض. المفاجأة الكبرى كانت في قدرتهما على العمل كـ "ميمريستور" عضوي، وهو مكوّن إلكتروني قادر على تذكّر الحالات الكهربائية السابقة حتى بعد انقطاع التيار. بعبارة أخرى، يمتلك الفِطر ذاكرة كهربائية حية يمكن برمجتها مثل الشرائح الإلكترونية.

ومن هذا الاكتشاف انتقل الباحثون إلى تطوير طرق مختلفة لقياس أداء هذه الفِطريات عند تعريضها لترددات وفولتية متنوعة، فاكتشفوا أن بعض أقسام الفِطر أظهرت أداءً متميزاً في نقل الشحنة بسبب اختلاف البنية الداخلية لكل جزء من النسيج الحيوي.

وهذا الترابط بين البنية الطبيعية للفِطر وسلوكه الكهربائي يُظهر كيف يمكن للكائنات الحية أن تُلهم هندسة الإلكترونيات العضوية في المستقبل القريب.


نتائج مذهلة وتطبيقات واعدة

خلال شهور من التجارب المعملية، أثبتت الفِطريات قدرتها على الاحتفاظ بالذكريات الكهربائية بدقة وصلت إلى 90 في المئة، رغم أن الأداء تراجع عند استخدام ترددات مرتفعة. هذا النمط، بحسب العلماء، يشبه عمل الشبكات العصبية في الدماغ البشري، وقد تم تحسينه بزيادة عدد الفِطريات الموصولة في الدائرة الواحدة لتقاسم العبء الكهربائي.

وهذا يربط بين عالم الأحياء الدقيقة وطموحات الإنسان في بناء أجهزة حوسبة أكثر كفاءة وخُضرة في الوقت ذاته، خاصة مع تصاعد الاهتمام العالمي بالتقنيات المستدامة وتقليل البصمة الكربونية للتكنولوجيا الحديثة.


التكنولوجيا بين المطبخ والمختبر

يتصور الباحثون أن تطبيقات "الشرائح الفطرية" ستتجاوز المختبرات لتصل إلى مجالات مثل استكشاف الفضاء والأجهزة القابلة للارتداء، بل وربما يمكن للهواة تجربة هذه التقنية في منازلهم عبر مواد بسيطة كتلك الموجودة في كومة سماد ومكوّنات إلكترونية منزلية.

ذو صلة

وفي هذا السياق، تؤكد الدراسة أن دمج الأنظمة البيولوجية مع الدوائر الإلكترونية ليس حلماً علمياً فحسب، بل يمكن أن يكون خطوة عملية نحو أجهزة تتفاعل مع البيئة وتُصلح نفسها ذاتياً.

وفي الختام، يبدو أن هذه الفطريات التي كانت تُعتبر مجرد غذاء شهي قد تفتح فصلاً جديداً في ثورة التكنولوجيا الحيوية. بين أليافها وأسلاكها الطبيعية يكمن مستقبل حوسبةٍ "حية" تُعيد رسم علاقة الإنسان بالطبيعة والتقنية معاً.

ذو صلة