حيتان الأوركا تصنع أدوات خاصة للعناية ببعضها البعض وتوطيد العلاقات!

3 د
لأول مرة، حيتان الأوركا تستخدم "عشبة البحر العملاقة" كأدوات للعناية بالبشرة.
تم رصد السلوك المفاجئ في بحر ساليش الأمريكي، باستخدام تقنيات التصوير عالي الدقة.
العلماء يشيرون إلى أن هذا السلوك يعزز الروابط الاجتماعية بين حيتان الأوركا.
التغيرات المناخية تهدد مثل هذه السلوكيات الثقافية بسبب تناقص عشبة البحر.
يشير العلماء إلى ضرورة حماية الحيتان للحفاظ على تراثها الثقافي الفريد.
تخيّل أن ترى بنفسك لحظة فريدة من نوعها، تقوم فيها حيتان الأوركا العملاقة بصناعة أدوات، ليس من أجل الصيد أو الدفاع هذه المرة، بل من أجل اهتمامها ببعضها والاعتناء بجلودها في مشهد مذهل يكشف عن جانب عاطفي ورقيق من حياة هذه الحيوانات البحرية العملاقة.
هذا ما كشفه علماء مؤخراً في دراسة استثنائية أجريت من مركز أبحاث الحيتان (CWR) بالتعاون مع جامعة إكستر في المملكة المتحدة، حيث رصد العلماء حيتان الأوركا وهي تختار بعناية النباتات البحرية الضخمة المعروفة باسم "عشبة البحر العملاقة" (Giant Kelp)، وتستخدمها كأداة لطيفة تمررها على جلود أفراد المجموعة، كنوع من التدليل والتنظيف أو العناية بالبشرة.
ماذا لاحظ العلماء بالضبط؟
تم رصد هذا السلوك ضمن مجموعة الأوركا المعروفة بـ"السكان الجنوبيين المقيمين" في بحر ساليش الواقع قبالة ولاية واشنطن شمال غرب الولايات المتحدة، وهي مجموعة تخضع لدراسة مكثفة منذ أكثر من خمسين عاماً. وخلال المراقبات الأخيرة بواسطة التصوير عالي الدقة، تفاجأ الباحثون بمشاهدة هذا السلوك المدهش بشكل واضح وبتفاصيل لم يسبق ملاحظتها من قبل.
تبين لاحقاً أن هذه الحيتان لا تختار عشبة البحر بشكل عشوائي، ولكنها في الواقع تعدّل شكل هذه النباتات البحرية بمهارة فائقة لتحويلها لأدوات احترافية مثالية. وقد أشار مايكل ويس، مدير البحوث في مركز أبحاث الحيتان، أن عشبة البحر تشبه إلى حد كبير "الشوبك الناعم"، فهي متينة بما يكفي للاستخدام، ومرنة بدرجة تسمح بملامسة الجسم بشكل مريح وفعّال، بجانب سطحها الناعم الزلق الذي يسهل تمريره على الجلد.
ولا يقتصر الأمر على الفائدة الجسدية فقط، حيث يقترح العلماء أن هذا العمل الجماعي في تنظيف البشرة والعناية بها قد يكون وسيلة لتوطيد الروابط الاجتماعية بين أفراد المجموعة، وهو ما يؤكد امتلاك الأوركا لذكاء اجتماعي وعاطفي عالٍ جداً.
وهذا ما أوضحه البروفيسور دارين كروفت من جامعة إكستر، قائلاً إن استخدام هذه الأدوات ربما نبع من الحاجة إلى علاج مشكلة جلدية أو صحية، لكنه أيضاً على الأرجح مرتبط بقوة بالدافع الاجتماعي لحيتان الأوركا، مضيفاً: "قد يكون ذلك بفعل الرغبة في تعزيز العلاقات الاجتماعية داخل المجموعة".
هذا الاكتشاف يطرح تساؤلات شيقة حول حياة الأوركا والثقافة التي يتمتعون بها كما أنه يفتح الباب لسؤال آخر: هل يمكن أن تكون هناك مجموعات حيوانية بحرية أخرى تعتمد مثل هذه الأساليب الثقافية لرعاية بعضها؟
هذه المجموعة من الأوركا الجنوبية لا يزيد تعداد أفرادها حالياً عن 73 حوتاً فقط وفق إحصائية يوليو 2024، ما يجعل هذا السلوك الثقافي الجديد مهدداً ومعرضاً للخطر نتيجة لمخاطر متعددة، مثل ندرة الفرائس وزيادة التلوث وتناقص مساحات غابات عشب البحر التي تستخدمها الحيتان في صناعة الأدوات بسبب الاحتباس الحراري.
ويؤكد العلماء على ضرورة حماية هذه الفصيلة البحرية الفريدة، ليس فقط للحفاظ على أنواع مهددة بالانقراض، بل وأيضاً لحماية الثقافة والسلوكيات الاجتماعية الفريدة التي تميز مجتمعاتهم والتي تمثّل تراثاً حياً للطبيعة وإضافتها المذهلة.
في النهاية، يدعونا هذا الاكتشاف المدهش للتدبر في مدى عمق وتعقيد الحياة الاجتماعية لدى المخلوقات البحرية، وربما يكون من الضروري القيام بالفعل بمزيد من الدراسات والبحوث للتعرف أكثر على هذا الجانب الثقافي المهم. وربما يكون من الجيد أيضاً التركيز على استخدام مصطلح مثل "اهتمام مجتمعي" بدلاً من مجرد "سلوك اجتماعي" لوصف هذه العلاقات الغنية، كمحاولة منا كصحفيين لإعطاء عمق أكثر في التعبير وجذب الانتباه إلى أهمية هذه الاكتشافات العلمية الفريدة.
ويبقى السؤال مفتوحاً أمام القراء الأعزاء: هل تعتقد أن ثمة مخلوقات أخرى حولنا تتبع سلوكيات ثقافية مشابهة؟ وهل لاحظت بنفسك من قبل أي كائنات تظهر ذكاءً عاطفياً واجتماعياً غير متوقع؟ شاركنا أفكارك وشارك القصة مع من تحب لاكتشاف المزيد من عجائب حياتنا البحرية.