ذكاء اصطناعي

خطوة ثورية: إصلاح الحمض النووي الميتوكوندري لعلاج أمراض وراثية بلا علاج

محمد كمال
محمد كمال

4 د

نجح علماء هولنديون في استخدام تقنية تحرير جيني لإصلاح طفرات الحمض النووي الميتوكوندري.

تستخدم أداة DdCBE الجديدة لتصحيح الطفرات دون الحاجة لقطع الشيفرة الوراثية.

التجارب على خلايا مرضية أظهرت فعالية المحرر في تحسين وظيفة الميتوكندريا.

اختبار توصيل الأداة الوراثية باستخدام mRNA والجزيئات الدهنية النانوية يعزز السلامة والكفاءة.

تمهد النتائج الطريق لعلاجات جينية تُركّز على معالجة الجذور الوراثية للأمراض.

في تطور علمي لافت قد يرسم مستقبلاً أكثر إشراقاً للمصابين بأمراض وراثية نادرة، نجح علماء من هولندا في إصلاح طفرات في الحمض النووي للميتوكندريا باستخدام تقنية تحرير جيني متقدمة. للوهلة الأولى، قد تبدو هذه الأخبار شديدة التخصص، لكنها تحمل في طياتها أملًا حقيقيًا لعشرات آلاف المرضى حول العالم، إذ يمكن أن تضع نهاية لمعاناة أمراض مستعصية مثل اضطرابات العضلات والقلب والدماغ التي تمر من الأم فقط إلى أبنائها.

على مدى عقود، وقف العلماء عاجزين أمام طفرات الميتوكندريا، لا سيما وأن الميتوكندريا ― وهي عُضيّات صغيرة داخل خلايانا مسؤولة عن إنتاج الطاقة ― تمتلك مادتها الوراثية الخاصة بها. المشكلة الكبرى أن هذه المادة محمية بجدران لا تخترقها أدوات التعديل الجيني التقليدية مثل كريسبر، مما حرم المرضى من الاستفادة من ثورة تحرير الجينات التي غيرت علاج الكثير من الأمراض الأخرى. ومن هنا، تأتي أهمية الاكتشاف الأخير المنشور في مجلة PLOS Biology، حيث استخدم فريق جامعة هولندية أداة تدعى "محرر الأساس" لتصحيح طفرات حرف واحد في الشيفرة الوراثية للميتوكندريا دون الحاجة لقصها.

تأتي هذه الأداة الجديدة، المعروفة بـDdCBE، مختلفة جذريًا عن كريسبر الشهير في العالم الجزيئي. فبينما يعمل كريسبر كمقص يقطع مواضع الخلل ليحث الخلية على إصلاحها، فإن DdCBE تقوم بتغيير حرف واحد فقط من الشيفرة الوراثية بشكل دقيق ودون إحداث أي قطع. وهذا يفتح الطريق لتصحيح طفرات دقيقة كانت مستعصية تماماً فيما مضى. يرتكز عمل هذه الأداة على بروتينات توجيه جزيئية (تعرف بـTALE) بالإضافة إلى جزء من توكسين بكتيري يقوم بعملية التغيير نفسها.

ونظرًا لأهمية التجارب العملية، عمد الباحثون أولاً لاختبار الأداة على خلايا كبد صناعية تحتوي طفرات معروفة تؤثر في عملية إنتاج الطاقة. النتيجة كانت لافتة: عند إدخال الطفرة بنموذج العضية الكبدية، تراجعت قدرة الخلية على إنتاج الطاقة بنسبة ملحوظة، مما يبرهن على فعالية تصميم هذا النموذج لمحاكاة المرض الحقيقي. ويمهد نجاح هذه المرحلة الانتقال بسلاسة إلى تجربة مستقبلية على نماذج خلايا مختلفة.

يستمر التحليل العلمي بربط دقيق بين استخدام هذه التقنية الجديدة وتطلعات المرضى والأطباء، وهنا تأتي التجربة التالية التي أجراها الفريق على خلايا جلد مأخوذة من مريض مصاب باضطراب مرتبط بالميتوكندريا (متلازمة جيتلمان). استطاع المحرر إصلاح طفرة مهمة تؤثر في بناء البروتين بالميتوكندريا، فاستعادت الخلايا نشاط الغشاء الميتوكوندري بشكل طبيعي. ومن اللافت أن الخلايا المعدلة حافظت على قدرتها التصحيحية وواصلت التكاثر بشكل جيد، دون تأثيرات سلبية، على مدى أكثر من خمسين يومًا، ما يعزز أمل الأطباء في تحويل هذا الإنجاز إلى علاج عملي يُطبّق على أرض الواقع.

هنا تظهر أهمية دور تقنيات توصيل الأدوات الجينية إلى داخل الخلية، وهو ما يُعرف بأنظمة النقل الحيوي. بديلاً عن الطرق الكلاسيكية التي تستخدم قطعاً من الـDNA (والتي قد تسبب أضراراً جانبية أو تفاعلات مناعية)، جرّب الفريق الحديث إرسال الأداة الوراثية كسلسلة mRNA (الحمض الريبي المرسال)، أو تغليفها داخل جزيئات دهنية نانوية (الليبيدات الجزئية). النتائج كانت مشجعة؛ فالتوصيل عبر mRNA عزز كفاءة التحرير وقلل الآثار الجانبية، فيما أثبتت الجزيئات الدهنية النانوية ــ المستخدمة أصلاً بنجاح في بعض اللقاحات مثل لقاح كوفيد-19 ــ أنها وسيلة آمنة وفعالة لإدخال المحرر إلى الخلية، دون الحاجة لاستخدام الفيروسات أو مواد أكثر خطورة.

وبعد استعراض خطوات التجريب المتسلسلة، تبرز أهمية دقة التقنية على المدى الطويل، إذ أظهرت التحاليل قلة نسب حدوث التحويرات الجانبية على الحمض النووي في نواة الخلية أو ضمن أجزاء غير مستهدفة من الميتوكندريا. هذه الدقة تمنح الأطباء مزيداً من الاطمئنان حول سلامة تجريب الأداة مستقبلاً على البشر، وتجعل الحدث قفزة نوعية في سياق الطب الجيني وطرق علاج اضطرابات الطاقة الوراثية وأمراض الشيخوخة والسرطان المرتبطة باختلال الميتوكندريا.

ذو صلة

ختامًا فإن الباحثين يرون في التجربة مجرد بداية لعصر جديد لطب الميتوكندريا: فالأمل مرهون بإجراء دراسات إضافية على الحيوانات قبل الانتقال إلى التجارب السريرية على البشر، ويظل التحدي القائم اليوم هو ضمان وصول أعداد كافية من الميتوكندريا المعدلة داخل كل خلية وتحقيق الاستقرار الطويل دون أضرار غير مقصودة. ومع كل الإنجازات المتلاحقة التي تحققها أبحاث محررات القواعد الجينية، بات الطريق ممهداً أمام علاجات تركز على لب المشكلة الوراثية، بدلاً من تخفيف الأعراض فقط كما هو الحال حالياً، مما يطمئن المرضى وينعش آمال عائلاتهم بالشفاء.

من الجميل أيضًا اقتراح تحسينات بسيطة لصياغة رسائل طبية أكثر تأثيرًا؛ فمثلاً يمكننا في السياق استخدام تعبير "اضطرابات الطاقة الخلوية" بدلاً من "أمراض الميتوكندريا" لجذب انتباه القارئ غير المتخصص، أو تعزيز جاذبية الفقرات بجمل ربط إضافية بين نتائج الأبحاث وتطلعات الطب الحديث لصياغة نهاية أكثر تماسكًا ووضوحًا للمقال. بهذه الخطوات الصغيرة، نمنح القارئ مساحة أكبر لفهم عمق وقيمة هذا الاكتشاف الواعد.

ذو صلة