خلية صناعية جديدة تتحرك بنفسها وتستكشف بيئتها من خلال الكيمياء فقط

3 د
أحدث فريق بحثي بكتالونيا طفرة بابتكار خلية صناعية تتحرك "كيميائيًا" نحو المواد.
تشبه الخلية سفينة تتحرك بمحرّك كيميائي فقط، دون أنظمة معقدة.
تعتمد الخلية على ظاهرة "الانجذاب الكيميائي" الشائعة بالبكتيريا وخلايا الدم.
تزيد القنوات بالغشاء الصناعي الحركة نحو الغذاء، برؤية تحاكي الخلايا الحية.
تحفّز الدراسة تفكيرًا جديدًا في تصميم العلاجات الكيميائية الحيوية الذكية.
في خطوة غير مسبوقة، أفلح فريق بحثي من معهد الهندسة الحيوية في كاتالونيا في ابتكار أبسط خلية صناعية قادرة على "التنقل الكيميائي"، أي أن تتحرك ذاتياً نحو مواد معينة في محيطها كما تفعل الكائنات الحية. يُمكن تشبيه الأمر بسفينة صغيرة تبحر نحو ميناء يزخر بالثروات، لكنها تعتمد على محرك وقائد غير مرئيين: الكيمياء الحيوية فقط، دون أي معدات ميكانيكية معقدة أو أنظمة إرشاد دقيقة.
عند الحديث عن أسرار الحركة في الطبيعة، نجد أن ظاهرة "الانجذاب الكيميائي" تشكل أساس الكثير من العمليات الحيوية؛ فالبكتيريا تستخدمها للعثور على الغذاء، وخلايا الدم البيضاء تنجذب للمواقع المصابة، وحتى الحيوانات المنوية تتبع آثار المواد الكيميائية وصولاً للبويضة. وضمن هذا السياق المهم، حاول الباحثون صنع "خلية مصغرة" من الفقاعات الدهنية — تعرف أيضاً باسم جسيمات الليبوزوم — يتم شحنها بإنزيمات ذات وظيفة محددة، لتعيد رسم سيناريوهات الملاحة الدقيقة في أوساط غير مألوفة.
وهذا يأخذنا للغوص في تفاصيل منهجية التجربة، حيث اختبر العلماء حركة هذه الحويصلات الدقيقة داخل قنوات ميكروفلويدية تحت تأثير تدرجات من الجلوكوز أو اليوريا. قاموا بحبس إنزيم الغلوكوز أوكسيداز أو اليوريز داخل الحويصلات الدهنية، ثم أضافوا بروتيناً خاصاً على الغشاء ليعمل كمنفذ لدخول الجزيئات وخروج نتائج التفاعل. وجود هذا المسار الواحد يكسر التماثل ويخلق فرقاً في التركيز الكيميائي حول الجسيم، ما يدفعه للحركة وكأنها موجة خفية تدفع القارب نحو منطقة الأغنى بالغذاء الكيميائي.
كيف تعمل "الخلية الكيميائية" من الداخل؟
من اللافت أن التركيب الداخلي لهذه الخلية الصناعية بسيط للغاية: غلاف دهني يُشبه أغشية الخلايا، إنزيم يؤدي مهمة محددة، وممر بروتيني صغير. ورغم هذا التكوين البسيط، أظهر الجسيم القدرة على تحديد اتجاهه بدقة باتجاه تركيز أعلى للغذاء أو المادة المغذية، تحت تأثير ما يعرف بالحركية الكيميائية أو "الكيموتاكسيس". وقد أكد الباحثون أن المشاهدات أظهرت أن حويصلات التحكم — أي الحويصلات التي لا تضم قناة بروتينية — كانت تتحرك فقط استجابة لظروف فيزيائية سلبية، لكن مع زيادة عدد المسارات عبر الغشاء، تحولت الحركة لتكون موجهة نحو المناطق الأعلى تركيزاً للمادة، في مشهد يُحاكي ذكاء الخلايا الطبيعية دون الحاجة لأي تعقيد جيني أو آلية متطورة مثل الأسواط.
وانطلاقاً من هذا المبدأ البسيط، نجد أن دراسة أكثر من 10 آلاف جسيم تحت ظروف مخبرية دقيقة مكّن الباحثين من استخلاص قاعدة ذهبية: كلما زاد عدد القنوات في الغشاء الصناعي، زادت معه القدرة على الحركة النشطة والمقصودة، مما يفتح الباب أمام آفاق واسعة في فهم انتقال الجسيمات بالخلايا الحية، والهندسة الجزيئية، وتصميم أنظمة علاجية متقدمة في علم الكيمياء الحيوية.
وهذا يسلط الضوء على أهمية تبسيط الأنظمة المعقدة لفهم القوانين الأساسية لحركة الحياة. إذ يقول أحد القائمين على الدراسة: "نحن نُعيد بناء رقصة معقدة بأقل عدد ممكن من القطع؛ قشرة دهنية، إنزيم، وممر وحيد – بدون زحام التفاصيل البيولوجية". واللافت أنه عند التبسيط الحاد للنموذج، تظهر القواعد الكامنة واضحة للعيان، فتعطي صورة أوضح عن الموسيقى الخفية التي تدير حياة الخلية.
وما يربط بين النجاحات المعملية وتطلعات المستقبل هو التعاون العلمي الواسع بين معهد كاتالونيا، جامعة برشلونة، ومراكز علمية في لندن وليفربول، وغيرها، مما يعكس طموحات كبيرة لتطوير مفاهيم جديدة في الكيمياء الاصطناعية وتصميم أدوية ذكية ربما تُوَجه في يوم من الأيام عبر مسارات كيميائية داخل الجسم البشري.
في نهاية المطاف، يُبيّن لنا هذا الإنجاز البحثي كيف أن الرجوع إلى أبسط التركيبات – والاستفادة من مصطلحات مثل الليبوزوم، الإنزيمات، التدرج الكيميائي، "الانجذاب الكيميائي"، والقنوات الغشائية – يساعد ليس فقط على حل الغاز بيولوجية قديمة، بل ويمهد لوضع لبنات علمية جديدة لعصر العلاج الذاتي و"الروبوتات المجهرية". ولعل تغيير بعض الكلمات لتعكس دقة علمية أشد سيزيد من تأثير الخطاب، على سبيل المثل: استبدال "الحركة" بـ"التنقل الكيميائي الفعال"، أو التركيز أكثر على مصطلح "زيادة عدد القنوات" لتوضيح عمق الأثر. ومن المفيد أيضاً ربط بداية كل فقرة إبداعية بجملة تعزز التماسك وتستدرج القارئ لاكتشاف المزيد عن هذه الثورة البحثية الصاعدة.