ذكاء اصطناعي

خيال علمي يتحقق: بناء منازل على المريخ بكائنات حية ذاتية البناء

محمد كمال
محمد كمال

4 د

ابتكار "الأشنيات الصناعية" يقدم حلاً لبناء المنازل على المريخ دون مواد أرضية.

يستخدم النظام التعاون بين الفطريات والبكتيريا لتكوين مادة بناء صلبة مستقلة.

تم اختبار التقنية باستخدام مواد تحاكي تربة المريخ بنجاح كبير.

الدكتورة جين رائدة البحث بخبرة كبيرة وهامات عديدة في الهندسة الحيوية.

تخيّل معي عزيزي القارئ أن تُشيّد منازل البشر على المريخ دون الحاجة لنقل مواد البناء المكلفة من الأرض، وأن تعتمد في بنائها على كائنات حية دقيقة ومهندسة وراثيًا تقوم بهذا العمل نيابة عنّا. لم يعد هذا محض خيال علمي، بل حقيقة واقعة استطاع فريق من الباحثين بقيادة الدكتورة كونجروي غريس جين من جامعة تكساس إيه آند إم أن يضع أساساتها من خلال ابتكار ما يُسمى بالأشنيات الاصطناعية.


"الأشنيات الصناعية".. كائنات حية تشيّد منازل المريخ ذاتيًا

الفكرة التي كشف عنها الباحثون بسيطة وعظيمة في آن واحد، تقوم على الاستفادة من نموذج طبيعي موجود بالفعل منذ ملايين السنين، ألا وهو "الأشنيات" الطبيعية التي تتمثل في التعاون بين الفطريات والبكتيريا الزرقاء (السيانوبكتيريا). استلهم الباحثون تلك العلاقة لابتكار نظام حيوي مصمم خصيصًا للمريخ، من خلال هندسة كائنات حية دقيقة لتكوين مادة بناء صلبة من تربة المريخ بشكل ذاتي.

يعمل هذا النظام بفضل الميزات التي يقدمها كل مكون من مكوناته، فالبكتيريا الزرقاء تستغل ضوء الشمس وغاز ثاني أكسيد الكربون لتكوين غذائها عبر التركيب الضوئي، بينما تقوم الفطريات بإنتاج معادن خاصة تعمل كمواد لاصقة طبيعية تجمع بين جزيئات تربة المريخ لتشكيل هيكل صلب وقوي. وما يميز هذه الطريقة ويجعلها الأفضل حتى الآن، أن العملية لا تحتاج لتدخل بشري مباشر على سطح الكوكب الأحمر.

استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد يمكّن هذه المواد "الحية" من تشكيل مبانٍ متعددة الأنواع، بدءًا من المنازل وحتى قطع الأثاث، بكفاءة عالية ومن مواد متوفرة محليًا على كوكب المريخ. يجد هذا المشروع جذوره في بحث جين السابق حول "الخرسانة ذاتية الشفاء"، والتي تعتمد مبدأً مشابهًا يسمح للمواد بإصلاح نفسها في ظل ظروف محيطة قاسية.


التربة المريخية.. وسيلة للبناء لا عقبة أمامه

ومن أجل وضع هذه التقنية الجديدة قيد الاختبار والتطبيق الفعلي، تستخدم المختبرات مواد تشبه تربة المريخ تُدعى "بدائل الريغوليث المريخي"، أبرزها JSC Mars-1A التي يتم إنتاجها من الرماد البركاني من هاواي، إلى جانب مادتين أخريين هما MGS-1 و JEZ-1 التي تم تسميتها نسبة لفوهة جيزيرو الشهيرة التي هبط فيها مسبار بيرسيفيرانس على سطح المريخ. هذه المواد تحاكي بدقة عالية التركيب الكيميائي لتربة المريخ وتسهل إجراء التجارب عليها قبل التطبيق الواقعي.

وقد أثبتت التجارب إمكانية صناعة مادة بناء ذات قوة ضغط عالية جدًا باستخدام تقنيات مثل التلبيد البلازمي، حيث وصلت قوة التحمل إلى 137 ميجا باسكال، وهي قيمة تجعلها صالحة لإقامة هياكل متينة توفر بيئة آمنة للمستوطنين المستقبليين للمريخ. كما ينسجم هذا العمل البحثي الرائد مع توجهات وكالة ناسا من خلال مشروع إنشاء المباني والحلول التقنية الذكية المستقلة للانتقال المستدام من القمر إلى المريخ.


الدكتورة جين.. مسيرة مشرقة وخطوات واعدة

هذا الابتكار المميز الذي يقوده فريق جامعة تكساس إيه آند إم يقف خلفه اسم كبير هو الدكتورة كونجروي غريس جين، التي تتمتع برصيد بحثي كبير وخبرة واسعة في هندسة المواد الحيوية والبناء الذاتي وإصلاح الخرسانة ذاتيًا، وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة كورنيل ولديها خبرة واسعة ضمن مؤسسات تعليمية وبحثية بارزة مثل جامعة نورث وسترن.

ذو صلة

ولم تتوقف إنجازات جين عند هذا الابتكار فقط، فقد حصلت سابقًا على العديد من المنح المرموقة مثل جائزة "داربا" للباحثين الشباب والممولة بمبلغ يصل إلى مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى منحة من وكالة ناسا تحت برنامج "NIAC" لمشروع البناء القائم على مبدأ التعزيز الحيوي الذاتي على المريخ. بالإضافة لذلك، تواصل جين المبادرة للعمل مع مختصين في مجال العلوم الاجتماعية والأخلاقية لضمان أن يتم تطوير هذه التقنيات بطريقة مستدامة وآمنة ومدروسة اجتماعيًا وقانونيًا.

هكذا يفتح الابتكار الأخير للدكتورة جين وفريقها باباً واسعاً أمام حلول المستقبل لبناء مستوطنات دائمة على المريخ. إن هذه الخطوة الذكية والواعدة، رغم كونها لا تزال في مرحلة الدراسات، تمثل نقطة تحول حقيقة تمهد الطريق لرحلة البشرية نحو استكشاف الكوكب الأحمر والاستقرار عليه بشكل دائم. ولتعزيز قوة المقال، يمكن إضافة مزيد من التفاصيل حول التطبيقات المحتملة على كواكب أخرى مشابهة أو اقتراح استبدال عبارة "التركيب الضوئي" المصطلح العلمي بالأوضح "عملية البناء الضوئي"، وكذلك ربط نتائج التجارب الحالية مع التطبيقات المستقبلية بشكل أوضح، كل هذا لجعل الموضوع أكثر ترابطًا وجاذبية للقارئ.

ذو صلة