دراسة سعودية تؤكد: البحر الأحمر جفّ ثم غمره المحيط الهندي

3 د
كان البحر الأحمر صحراء ملحية قبل 6.
2 مليون سنة ثم أعاد فيضانٌ الحياة إليه.
استخدم العلماء تقنيات متقدمة لتتبع تأريخ هذه الظاهرة الجيولوجية الفريدة.
اخترق فيضان المحيط الهندي حاجزًا بركانيًا، مما أعاد تشكيل البحر الأحمر.
السجل الجيولوجي يظهر تباعد الصفيحة العربية والأفريقية منذ 30 مليون عام.
البحر الأحمر يعتبر مختبرًا لدراسة ولادة المحيطات وتغيراتها البيئية.
باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية يؤكدون أن البحر الأحمر تعرض قبل ملايين السنين لواحدة من أعنف التحولات الجيولوجية التي غيرت وجهه وحياته البحرية جذريًا.**
تخيل أن البحر الأحمر، هذا الامتداد المائي الذي نعرفه اليوم بشعابه المرجانية وثرائه البيئي، قد جف بالكامل حتى أصبح مجرد صحراء ملحية قاحلة قبل 6.2 مليون سنة. هذا ما كشفه فريق من الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، موضحين أن هذه الحالة انتهت بفيضان هائل من المحيط الهندي أعاد المياه إلى الحوض وأحيا النظام البيئي من جديد. وهذا يوضح كيف يمكن للتغيرات المناخية والتكتونية أن تقلب تاريخ منطقة بأكملها في فترة جيولوجية قصيرة جدًا.
تفاصيل الاكتشاف
من خلال المزج بين تقنيات تصوير زلزالي متقدمة، وتحليل دقيق لحفريات مجهرية، إضافة إلى التأريخ الجيوكيميائي، تمكن العلماء من تحديد خط زمني واضح لهذه الظاهرة المذهلة. اتضح أن فترة الجفاف الكامل لم تتجاوز 100 ألف عام، وهو زمن وجيز إذا ما قورن بعمر الأرض. خلال هذا الانقطاع، فقد البحر الأحمر ارتباطه بالبحر المتوسط وتحول إلى حوض ملحي جاف، قبل أن تعود المياه المتدفقة عبر مضيق باب المندب لتغمره مرة أخرى وتعيد له طبيعته البحرية. وهذا يربط بين الاكتشاف الجديد وفهمنا الأوسع لدور المضائق البحرية في إعادة تشكيل الحياة في البحار والمحيطات.
الفيضان الكارثي من المحيط الهندي
الباحثون أوضحوا أن حاجزًا بركانيًا جنوب البحر الأحمر كان يفصل الحوض عن مياه المحيط. ولكن قبل 6.2 مليون عام اخترق الطوفان هذه العوائق الطبيعية، وفتح ممرًا مائيًا ضخمًا بطول 320 كيلومترًا ما زالت آثاره واضحة اليوم في قاع البحر. هذا التدفق غمر الحوض بسرعة مذهلة، ليعيد التوازن البيئي ويؤسس للاتصال الدائم بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. ومن هنا ندرك أن الجيولوجيا ليست مجرد صخور جامدة، بل قصص عن انهيارات وفجوات أعادت تشكيل ملامح مناطق بأكملها.
جذور القصة عبر ملايين السنين
السجل الجيولوجي يظهر أن البحر الأحمر بدأ يتشكل قبل نحو 30 مليون عام نتيجة تباعد الصفيحة العربية عن الإفريقية. في بدايته كان وادياً ضيقًا مليئًا بالبحيرات، ثم غمرته مياه المتوسط قبل 23 مليون عام ليصبح خليجًا واسعًا. لكن ضعف حركة المياه وارتفاع معدلات التبخر أديا إلى زيادة ملوحته، ما تسبب في انقراض كثير من أشكال الحياة البحرية بين 15 و6 ملايين سنة مضت، بينما تراكمت طبقات سميكة من الأملاح والجبس. هذا يوضح أن الانهيار الكارثي لم يكن نتيجة ظرف واحد، بل تراكم لعوامل بيئية وزمنية طويلة.
البحر الأحمر مختبر طبيعي لفهم المحيطات
الأهمية العلمية لهذا الكشف تتجاوز حدود المنطقة. إذ يعتبر البحر الأحمر الآن مثالًا فريدًا لفهم كيفية ولادة المحيطات، وتكدس الرواسب الملحية، وتأثير المناخ والجيولوجيا في تشكيل البيئات المائية. باختصار، هو مرآة لماضي كوكبنا وتجربة حية لمستقبل محيطاته. وهذا يربط بين ماضي البحر الأحمر ودوره الحالي كمختبر طبيعي لدراسة توازن النظم البيئية البحرية وتحولات المناخ على المدى الطويل.
الخلاصة
قصة البحر الأحمر تُظهر أن الأرض كوكب لا يعرف السكون؛ فما نراه اليوم من شواطئ وشعاب قد يكون مجرد فصل عابر من قصة أعمق بكثير. وبينما يواصل العلماء دراسة تاريخه العريق، يظل البحر الأحمر شاهدًا على كيف يمكن للطبيعة أن تسقط كل شيء فجأة، ثم تعيد البناء من جديد.