دراسة صادمة: عنكبوت الجورو الغازي في جورجيا يكشف عن ميوله إلى أكل أبناء جنسه!

4 د
كشف باحثون في جورجيا عن سلوك عدواني لعنكبوت الجورو يتناول أبناء جنسه.
العنكبوت المعروف "بخجله" يظهر نماذج من الافتراس الذاتي والعنف بين أفراده.
السلوك العدواني يبرز في غياب أي محفز واضح وقد يكون لدوافع اجتماعية غامضة.
تُثير النتائج أسئلة حول تأثير التحولات البيئية على تصرفات العناكب الغازية.
في خطوة علمية قد تغيّر نظرتنا إلى عالم الحشرات، كشف باحثون من جامعة جورجيا عن مفاجأة لا تخلو من الدهشة؛ إذ أظهرت دراسة حديثة أن عنكبوت الجورو، وهو أحد المخلوقات الدخيلة على ولاية جورجيا الأمريكية، قد يتحوّل من كائن “خجول” إلى مفترس شرس يلتهم أبناء نوعه في مشاهد من العنف غير المعتادة.
حين نتحدث عن العناكب في جورجيا، كثيرًا ما يخطر في بالك عمليات الغزو البيئية ونسج الشباك في المزارع والحدائق، لكنّ المفاجأة اليوم أكبر من مجرد انتشار أو قضية تآلف مع البيئة المحلية. إذ كشفت التجارب المخبرية وعمليات الرصد الميدانية أن عنكبوت الجورو - هذا العنكبوت القادم من اليابان وشرقي آسيا منذ قرابة عقد - أبان عن قدرات لم تكن ملحوظة سابقًا تتعلق بالسلوك العدواني وأكل لحم أبناء جنسه، وهي ظاهرة تعرف بالافتراس الذاتي أو “الكانيبالية” في عالم الأحياء.
ما شدّ انتباه العلماء خلال الدراسة لم يكن غرابة الظهور المفاجئ للجورو وحجم شباكه الواسعة فحسب، بل الفارق الصارخ بين السمعة “الخجولة” لهذا النوع في بيئته الأصلية وبين ما رصدوه من مشاجرات دامية بين الإناث، غالبًا ما تنتهي بمقتل إحداهن وابتلاعها بواسطة الأخرى. هذا التحوّل في السلوك جاء ليطرح تساؤلات حول علاقة تفاعل الجورو مع المكان الجديد في جنوب شرق أمريكا وأسباب تزايد “الحروب الداخلية” بين أفراده.
الجورو: من “شجاع” إلى قاتل بين أبناء جلدته
بالانتقال إلى تفاصيل البحث، يظهر أن الجورو، الذي ينتمي لفصيلة النسّاجات الدائرية والمعروفة أيضًا بقدرتها على “الطيران” مستعينة بشبكة حريرية تنقله مع الرياح، قد قام خلال التجارب بسلوك عدواني تجاه نظرائه في المساحة نفسها. المثير هنا أن العدائية لا تقتصر على موسم التزاوج، كما هو الحال لدى أنواع أخرى تلجأ فيه بعض الإناث لافتراس الذكر بعد التقارب، بل تتنوع الأسباب بين النزاع على المساحة، الطعام، أو حتى بالصدفة نتيجة وضع اثنتين من الإناث سوية في نفس الوعاء.
إذ لاحظ الباحثون أنه حين جرى وضع عنكبوتتين من الجورو متقاربتا الحجم معًا، اندلع القتال في نحو 40% من الحالات. الغريب أن العدوانية لم تكن مرتبطة دائمًا بحجم أحد العناكب أو ضعف الآخر، بل حتى الصغيرة منها بادرت إلى الهجوم أحيانًا، في ظل غياب تام لأي محفز جنسي أو دفاعي واضح. وتشير هذه التفاصيل إلى احتمالية وجود دافع اجتماعي أو سلوكي آخر لم يتضح بعد، ربما يتعلق بغريزة البقاء أو تعزيز الهيمنة داخل مجموعات الجورو.
وهذا يفتح الباب أمام فهم أعمق لكيفية تكيف الأنواع الدخيلة مع بيئات جديدة، وقدرتها على تغيير أنماطها السلوكية.
العدوانية تتحدى حياة الجورو الجماعية
ما يجعل هذه النتائج مفاجئة حقًا هو تزامنها مع ملاحظات ميدانية سابقة أكدت ميل هذا النوع لصناعة شِباك جماعية يُظن أنها تعكس حياة اجتماعية أكثر ودية. فعلى عكس ما كان متوقعًا، صار عنكبوت الجورو في جورجيا يحل مشاكله الداخلية وفق منطق “البقاء للأقوى”، ولا يتردد في أكل ضحيته بعد التغلب عليها، وصولًا إلى لفها بخيط حريري كما يفعل عادة مع فريسته من الحشرات.
يبدو إذًا أن التحولات البيئية - من مناخ جورجيا وتوافر الغذاء إلى ندرة المنافسين - ربما أدت إلى بروز أنماط سلوك دفاعي وهجومي أكثر تطرفًا، بعيدًا عن “الخجل” الذي اعتاد عليه العلماء في دراسات سابقة للجورو بموطنه الأصلي.
والجدير بالملاحظة، أن الباحثين وثقوا مواجهات ضارية بين عدة إناث من الجورو حتى خارج مساحة الشِباك الأصلية، ما يدل أن نزاعات السيطرة ليست مرتبطة فقط بمواقع الشِباك أو الموارد المحدودة، بل تحمل كذلك طابعًا غامضًا يدعو لمزيد من البحث حول دوافعها الأساسية.
بين هذا وذاك، تزداد أهميّة متابعة سلوك الكائنات الغازية لمعرفة تأثيرها الفعلي على النظام البيئي المحلي، خاصة حين تفاجئنا بتحولات درامية في سلوكياتها، كحال الجورو في جورجيا.
خلاصة القول، يحمل هذا البحث رسالة تحذيرية للمعنيين بأمن البيئة والتوازن الحيوي؛ فالعنكبوت الجورو ليس بكائن خجول كما كان يُظن، بل هو مستعد، بل وربما مُضطر، للتعامل بعنف لم يكن معهودا عنه من قبل. ولعل استخدام كلمة “عدواني” هنا أدق من مجرد “مفترس” لتوصيف سلوكه في المواجهات الفردية، ويمكن في تحرير تقارير قادمة تضييق نطاق الوصف ليركز على التغير السلوكي الطارئ وليس على صفات النوع الأصلية. وربما لو أضفنا جملة تربط سلوك الجورو في المختبر مع البيئة الخارجية وتداعياته على التنوع البيولوجي لزاوجنا الحكاية العلمية بقضايا الاستدامة المحلية. في النهاية، قصة الجورو تبرهن كيف يمكن للمفاجآت أن تظهر حتى من أكثر الكائنات التي تبدو وديعة في الظاهر!