ذكاء اصطناعي

دواء من جزيرة إيستر قد يوقف الشيخوخة نفسها… والعلماء مذهولون!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشاف دواء رابامايسين في تربة جزيرة إيستر يفتح آفاقًا جديدة لمكافحة الشيخوخة.

رابامايسين يثبط بروتين mTOR، ويقوي الجهاز المناعي ويبطئ الشيخوخة.

التجارب السريرية تثبت فعالية رابامايسين في تحسين متوسط العمر الصحي.

سوق رابامايسين يقدر بـ 328 مليون دولار مع توقعات بنموه سريعًا.

يرفع العلماء أهمية الإرث البيئي والثقافي لجزيرة إيستر في هذا الاكتشاف المذهل.

في ستينيات القرن الماضي، لم يكن أحد يتوقع أن يأخذ عالَم الطب منعطفاً حاسماً من بقعة ترابية في جزيرة صغيرة نائية في المحيط الهادئ. لكن ما وُجِد في تلك التربة غيّر مجرى البحث العلمي عن الشيخوخة، وفتح باباً جديداً أمام أدوية تجديد الخلايا وإطالة العمر.

في عام 1964، قادت بعثة علمية إلى **جزيرة إيستر** أو ما يعرف بـ **رابا نوي** بهدف دراسة نظامها البيئي الفريد قبل أن تعبث به مشاريع التطوير الحديثة مثل إنشاء مطار جديد. جُمعت عينات من التربة والطحالب والنباتات لتوثيق التنوع الميكروبي الموجود هناك، ولم يكن العلماء يدركون أن إحدى العينات ستحتضن كنزاً بيولوجياً اسمه **السترِبتومايسيس هِيغروسكوبيكوس**، وهو نوع من البكتيريا التي تنتج مركباً طبيعياً ذا قدرات علاجية مدهشة.

وهنا تبدأ القصة الحقيقية؛ فقد تبيّن أن هذا المركب المعروف لاحقاً باسم **رابامايسين** يملك خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، قبل أن يكتشف العلماء لاحقاً أنه يتفاعل مع بروتين محوري داخل الجسم يدعى **mTOR**، المسؤول عن تنظيم نمو الخلايا وعمليات الأيض


من دواء مناعي إلى مفتاح إطالة العمر


مع مرور الوقت، أدرك الباحثون أن لتثبيط بروتين mTOR نتائج مذهلة، خاصة في **تقوية الجهاز المناعي** وتقليل مخاطر **رفض الأعضاء المزروعة** بعد عمليات الزرع. ومع تطور الدراسات اتضح أن هذا المركب يفعل أكثر من مجرد حماية الأعضاء؛ فهو يبطئ من تدهور الخلايا ويعدل العمليات الالتهابية المرتبطة بتقدم العمر.

وهذا يقودنا إلى البعد الثاني لاكتشاف رابامايسين، إذ بدأت مختبرات في جامعات عالمية مثل **جامعة كاليفورنيا في ديفيس** في دراسة تأثيره على الكائنات الحية الصغيرة مثل الخميرة والفئران. النتائج كانت مدهشة: تباطؤ في الشيخوخة، تحسن في نشاط الخلايا، وإشارات قوية إلى إمكانية إطالة متوسط العمر الصحي لدى الإنسان.


صعود رابامايسين نحو العالمية


بعدما أثبتت التجارب السريرية فعاليته، أصبح رابامايسين الذي يُعرف تجارياً باسم **سيروليموس** واحداً من أكثر الأدوية ربحاً في مجال الطب الحيوي. في عام 2024 قُدّرت قيمته السوقية بنحو 328 مليون دولار، مع توقعات بتجاوزها 520 مليون دولار بحلول 2033. يستخدم الدواء اليوم في علاج **سرطان الكلى** و**سرطان الثدي** وبعض الأمراض النادرة مثل **داء اللمفانجيو لَيُومايوماتوز** (LAM).

ذو صلة

وهذا يعيدنا إلى النقطة الإنسانية في القصة؛ إذ يلفت البروفيسور **تِد باورز** من جامعة كاليفورنيا النظر إلى أن هذا الإنجاز العلمي لم يكن ليحدث لولا أرض رابا نوي، داعياً المجتمع العلمي إلى الاعتراف بفضل سكان الجزيرة الأصليين ومشاركتهم في المكاسب المعرفية والاقتصادية التي ولّدها الاكتشاف.

اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة عقود على جمع تلك العينة الصغيرة من التربة، صار رابامايسين رمزاً للتفاعل الخصب بين **الطبيعة والعلم**، ودليلاً على أن الحلول الكبرى قد تولد من أبسط الأماكن. وكأن تربة الجزيرة النائية همست للعالم بأن في أعماقها سر الشباب المتجدد، لا ينتظر سوى من يُنصت إليه بعين الباحث الفضولي وقلب الإنسان الشاكر.

ذو صلة