ديناصور محفوظ بالكامل كأنه مات بالأمس… اكتشاف يُجمّد الزمن!

3 د
عامِل منجم في كندا يكتشف حفرية ديناصور من العصور الطباشيرية بالصدفة.
الديناصور "نودوصور" وُجد بحالة حفظ رائعة، حيث بقي جلده وقشوره محفوظة.
عمليات كشف مفصلة استغرقت أكثر من سبعة آلاف ساعة لفك الطبقات الحجرية.
هذا الاكتشاف يقدم نافذة على بيئة تاريخية ويعيد النظر في فهمنا للماضي.
المتحف يعرض الديناصور بحيث يمكن للزوار استكشاف تفاصيل هذا العالم القديم.
في مشهد لا يحدث إلا نادراً في عالم الأحافير، عثر عامل منجم في كندا على ما يُعتبر أحد أكثر الحفريات ديناصورية حفظاً في التاريخ. الاكتشاف الذي تم بالصدفة البحتة أثار دهشة العلماء، إذ بدا الكائن وكأنه توقف عن التنفس قبل بضعة أيام فقط، رغم أن الزمن يعود بنا إلى نحو 110 ملايين سنة.
كان العامل شون فانك يؤدي عمله الروتيني في أحد المناجم حين اصطدمت معداته بشيء صلب وغريب الملمس. لم يكن يدري أنه على وشك انتشال مخلوق منقرض من العصر الطباشيري. وبعد ساعات قليلة تم استدعاء فريق من متحف «رويال تيريل» الذي أكد أن ما ظهر هو هيكل شبه متكامل لديناصور من نوع «نودوصور»—وهو من ديناصورات البيئة المدرعة القريبة من الـ«أنكيلوصور»—لم يُرَ له مثيل بهذا الشكل من قبل.
وهذا يربط بين المفاجأة الأولى وطبيعة هذا الاكتشاف الفريدة التي جعلت العلماء يعيدون النظر في فهمهم لتاريخ التحجر وأسباب حفظ الأنسجة الحيوية.
الديناصور الذي تحدّى الزمن
ما يميّز هذا «النودوصور» أنه لم يحتفظ فقط بعظامه الداخلية، بل ظلّت جلده وقشوره وحتى النتوءات القرنية التي كانت تزيّن كتفيه بحالة مذهلة. يمكن رؤية تفاصيل النقوش الدقيقة على جلده ولون تصبغٍ خافت يوحي بلون الحياة القديمة. أحد المتخصصين وصفه بأنه “يبدو كما لو أنه سار بيننا قبل أسابيع قليلة”. وتشير الأبحاث إلى أن جسم الديناصور انجرف في البحر بعد موته، ثم تغطى سريعاً بطبقات دقيقة من الرواسب حفظته على نحو ثلاثي الأبعاد رائع، ليُدفن كما هو دون أن يُسحق.
ومع كل ذلك، يبقى التحدي القائم هو استكشاف ما يخفيه الصخر في داخله. فقد حاول العلماء استخدام الأشعة المقطعية لرؤية أعضائه الداخلية، لكن كثافة الحجر حالت دون ذلك. وهنا يكمن الرابط مع جهود التحضير الدقيقة التي يقوم بها الفنيون في المتحف لفك الطبقات الحجرية دون إتلاف هذا الكنز الطبيعي.
جهد علمي بسبعة آلاف ساعة
عمل المختص مارك ميتشل لأكثر من سبعة آلاف ساعة ليكشف تفاصيل هذا الجسد المتحجر، في عملية وصفها بأنها أشبه بـ«تحرير بودرة التلك من الخرسانة». ومع مرور الوقت ظهرت الملامح: منحنَى العنق، وأصابع القدم اليمنى، والصفائح المدرعة التي تسند ظهره بكامله. يبلغ طول الديناصور نحو خمسة أمتار ويُقدّر وزنه بثلاثة أطنان، وكانت على كتفيه شوكتان بطول نصف متر تقريباً.
وهنا تتضح العلاقة بين الجهد البشري الهائل والقدرة العلمية على استعادة صورة كاملة لعالم ما قبل التاريخ، وهو ما يمنح الاكتشاف بعداً إنسانياً وعلمانياً في آن واحد.
منجم تحوّل إلى بوابة للتاريخ
طوال عملية الاستخراج واجه الفريق صعوبات لوجستية كبيرة، إذ بلغ وزن الصخرة التي تحتوي على الحفرية نحو 15 ألف رطل. وعندما تسببت الرافعة في تشققها اضطر العلماء إلى استخدام أكياس من الخيش المغموس في الجبس لحماية القطع ونقلها لمسافة 420 ميلاً إلى المتحف. واليوم يقف الديناصور في قلب معرض مخصص لاكتشافات المناجم، حيث تجذب تفاصيله الواقعية الزوار من أنحاء كندا والعالم.
ومع انتقالنا من دهشة الاكتشاف إلى أفقه العلمي، يضيف الباحثون أن هذا النودوصور يمثل نافذة على بيئةٍ كانت تمتد فيها الغابات شبه الاستوائية على ما هو اليوم إقليم ألبرتا، قبل أن تغمره بحار داخلية دافئة.
نافذة على عالم منقرض
تشير التحليلات إلى أن هذه المنطقة الكندية كانت، في العصر الطباشيري الأوسط، أقرب في مناخها إلى جنوب فلوريدا حالياً، مغطاة بالصنوبريات والسراخس وتؤوي عالماً من المفترسات مثل «أكروكانثوصور». ويقول الخبراء إن المحافظة المدهشة لهذا الكائن تمنحهم فرصة لفهم أنماط الحياة القديمة، والبيولوجيا الدفاعية للديناصورات المدرعة، وتكشف عن أسرار تطور الجلد والألوان في العصور الغابرة.
وفي الخلاصة، لا يُعد هذا الاكتشاف مجرد حفرية تُعرض في قاعة متحف، بل رسالة من الماضي البعيد تؤكد أن الأرض ما زالت تخفي بين طبقاتها كنوزاً قادرة على إعادة كتابة فصول من تاريخ الحياة على كوكبنا.