ذوبان الأنهار الجليدية يهدد بإطلاق موجة من الثورانات البركانية الخطيرة

3 د
ذوبان الأنهار الجليدية يمكن أن يسبب ثورات بركانية عنيفة ومتكررة.
تراجع الجليد يقلل الضغط على خزانات الصهارة، مما يزيد من الانفجارات البركانية.
أظهرت الدراسات زيادة ملحوظة في الثورات البركانية بعد العصر الجليدي الأخير.
قد تصبح أنتاركتيكا منطقة نشطة بركانيًا بسبب ذوبان الجليد السريع.
الثورات البركانية تطلق غازات دفيئة، مما يعمق أزمة الاحتباس الحراري.
ربما لم يخطر ببال معظمنا أن ذوبان الجليد بفعل تغير المناخ يمكن أن يوقظ عمالقة الأرض الخاملة. ومؤخرًا، كشفت دراسة حديثة أن ذوبان الأنهار الجليدية والقمم الجليدية يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من الثورات البركانية الخطيرة، مما يزيد من مخاطر الاحتباس الحراري ومضاعفات أزمة المناخ.
لفهم كيف أن الجليد، هذا المكوّن الصلب للكوكب، يمكن أن يؤثر على البراكين، قام فريق من الباحثين بقيادة بابلو مورينو يايغر من جامعة ويسكونسن ماديسون بدراسة ميدانية فريدة من نوعها في جبال الأنديز التشيلية. النتائج التي قدّمت خلال مؤتمر دولي عن الكيمياء الجيولوجية في براغ أظهرت أن تراجع الأنهار الجليدية يقلل من الضغط على خزانات الصهارة تحت الأرض، مما يؤدي إلى ثورانات أكثر تكرارًا وأشد عنفًا.
كيف تؤدي خسارة الجليد إلى ثورات بركانية عنيفة؟
عندما كانت الطبقة الجليدية التي بلغ سمكها في بعض المناطق 1500 متر تغطي تلك البراكين، شكّل وزنها الهائل ضغطًا كبيرًا منع الصهارة من الارتفاع والانفجار. بعد انتهاء العصر الجليدي وذوبان الجليد، انخفض هذا الضغط بسرعة، ما أدى إلى توسع الغازات والسوائل الساخنة داخل الحُجر الصهارية وإلى حدوث انفجارات بركانية متتابعة بشكل أكثر عنفًا وتكرارًا.
فريق البحث أكد أن المبهر في البيانات التي توصلوا إليها من خلال التأريخ الإشعاعي للصخور البركانية، هو اكتشاف زيادة واضحة في وتيرة الثورات البركانية بعد انتهاء العصر الجليدي الماضي منذ حوالي 13 ألف عام. لم يقف الأمر عند زيادة عدد الثورات فقط، بل تغيّر أيضًا نوع الصهارة وتكوينها، ما جعل الانفجارات أكثر عنفًا وتدميرًا.
وهذه النتائج تربط بين الأنشطة الجيولوجية والتغيرات المناخية بشكل مباشر، ما يجعل مناطق مشابهة مثل أنتاركتيكا ومناطق في نيوزيلندا وروسيا وأمريكا الشمالية عرضة لمخاطر مماثلة.
وهذا يقود لطرح السؤال الأهم؛ ما تأثير ذلك على وضعنا الحالي في زمن الاحتباس الحراري؟
في واقعنا الحالي، فإن ذوبان الجليد نتيجة الاحتباس الحراري والتغير المناخي يحدث بمعدل أسرع بسبب الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري. ويرى الباحثون أن أكثر المناطق تعرضًا لهذا الخطر في المستقبل هي مناطق القطب الجنوبي الغربي (غرب أنتاركتيكا)، التي تضم أكثر من 100 بركان تحت طبقات من الجليد الكثيف. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد هناك، قد يصبح النشاط البركاني في القارة القطبية الجنوبية ظاهرة شائعة وقائمة بحد ذاتها، مما قد يخلق تأثيرات مناخية كارثية.
وعلى الرغم من أن الثورات البركانية تبرد الكوكب مؤقتًا عن طريق نشر جزيئات تعكس ضوء الشمس، إلا أن الثورات الطويلة والمتكررة يمكن أن تطلق كميات ضخمة من غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، ما يفاقم أزمة الاحترار العالمي ويخلق حلقة مفرغة يصعب السيطرة عليها.
وحين ننظر إلى ما تم الكشف عنه من دراسات سابقة، نجد أن النشاط البركاني تصاعد عالميًا بالفعل ما بين ضعفين إلى ستة أضعاف عقب آخر عصر جليدي. لكن الدراسة الجديدة تربط هذا السيناريو بشكل واضح بالانحسار الجليدي وكيفية حدوث ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن الخبراء يحذرون من نقص الدراسات حول تأثير أزمة المناخ الحالية على النشاط البركاني بشكل عام، ويدعون إلى تعزيز الأبحاث العلمية في هذا المجال كجزء من جهود التأهب للكوارث الطبيعية وتقييم الأخطار العالمية.
وفي ختام القول، تؤكد لنا هذه الأبحاث أن تغييرًا على سطح الكوكب مثل ذوبان الجليد الذي قد يبدو بعيدًا أو بطيئًا، يمكن أن يتحول إلى سلسلة خطيرة من الأحداث الجيولوجية. ولتحقيق فهم أفضل، ربما يجدر بنا تحفيز استمرار الأبحاث في هذا المجال ومتابعة هذه الظواهر بمزيد من الاهتمام بربط أكثر وضوحًا بين النشاط الجيولوجي وتغير المناخ. فتلك العلاقة لم تعد مجرد فرضية بعيدة، بل واقع قد نصبح أمامه يومًا ما.