ذكاء اصطناعي

رحلة الأمراض النفسية: هل تبدأ من رحم الأم؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تبدأ الجذور النفسية قبل الولادة، بتأثير جينات على تطور الدماغ في رحم الأم.

دراسة تكشف نشاط جينات مرتبطة بالتوحد والاكتئاب وأمراض أخرى خلال نمو الجنين.

هذا الاكتشاف يعيد رسم فهمنا لنشأة الاضطرابات النفسية والعصبية.

يمثل خطوة نحو تطوير علاجات دقيقة تراعي الجينات منذ الحياة الجنينية.

الجينات تحدد مسار الدماغ، مما يستدعي تدخلات مبكرة وتجربة علاجات مخصصة.

من كان يتخيل أن تسلسل حياتنا النفسية قد يبدأ قبل أن نُطل على هذا العالم بأشهر طويلة؟ في دراسة حديثة قلبت المفاهيم العلمية السائدة، اكتشف باحثون أن جينات مرتبطة باضطرابات عقلية وأخرى تنكسية مثل التوحد والاكتئاب وباركنسون تبدأ بالتأثير على نمو الدماغ في أبكر مراحل تكوّنه، أي وهو لا يزال جنيناً في رحم أمه.

لقد اعتاد العلماء قديماً أن يبحثوا عن أسباب الأمراض النفسية في ماضي الشخص أو تراكمات الحياة، لكن هذه الدراسة من معهد أبحاث مستشفى ديل مار وجامعة ييل نشرت في دورية Nature Communications تكشف أن الحكاية أعقد وأعمق. إذ وجد الباحثون، بعد تحليلهم لنشاط حوالي 3000 جين على خلايا جذعية عصبية، أن كثيراً من هذه الجينات الحيوية يكون نشيطاً منذ البدايات الأولى لنشأة الدماغ.

هذه النتائج تعني أن جينات تحدد مصير الدماغ، وقد تلعب دوراً محورياً في نشأة أمراض مثل الفصام، واضطراب ثنائي القطب، واضطرابات الأكل، وحتى الزهايمر والشلل الرعاش، تكون فعالة قبل الولادة، وتوجه نمط نمو الخلايا العصبية وبناء القشرة الدماغية.

فهم جديد للمنشأ الوراثي للأمراض النفسية
هذا الاكتشاف يعيد رسم الخريطة الذهنية لفهمنا لكيفية ظهور الاضطرابات العصبية والنفسية لدى الإنسان. فقد اعتمد العلماء في هذا البحث على تقنية محاكاة جينية متطورة، دمجوا فيها بين بيانات من أدمغة بشرية وفئران ونماذج خلوية مخبرية، بهدف تعقّب أثر هذه الجينات وكيفية تنظيمها في مراحل التخلق الجنيني المبكرة.

وبينما اعتدنا أن نبحث عن الجذور في سنوات الطفولة أو المراهقة، تبيّن أن هذه الجينات تفرض تأثيراتها بالفعل على الخلايا الجذعية العصبية، وهي أساس تكوين الخلايا العصبية والدعامات الدماغية الأخرى. هكذا، تبرز أهمية فهم نافذة الزمن الحرجة هذه، إذ أن أي خلل جيني أو اضطراب في "الشبكات التنظيمية" قد يغير مسار تطور بنية الدماغ بأكمله، ويزرع بذور اعتلالات مثل التوحد أو حتى الشيزوفرينيا.

ولهذا، الربط بين هذه النتائج ومنهجيات التشخيص والعلاج المستقبلية يبدو حيوياً، لأن رصد دور كل جين في كل مرحلة أو نوع خلوي قد يمنحنا القدرة مستقبلاً على التدخل المبكر، وتطوير علاجات أكثر دقة وتخصصاً.

نحو علاجات مخصصة ونافذة زمنية للتدخل
ويأتي هذا الفهم الجديد ليضعنا أمام أفق علاجي مبشّر. امتلاك العلماء لخريطة واضحة حول توقيت وأماكن تأثير الجينات المرضية في الدماغ يعني أنه يمكن ابتكار تدخلات علاجية أو جينية أكثر فاعلية. وهذا يحمل أملاً لمرضى الزهايمر، واضطرابات النمو، والصرع، وحتى الاكتئاب بأن يتلقوا علاجاً شخصياً يراعي جيناتهم وتطور أدمغتهم منذ الحياة الجنينية.

الاهتمام بهذه المرحلة المبكرة يقول لنا باختصار إن الوقاية يجب أن تبدأ باكراً – وربما تصبح يوماً جزءاً من روتين متابعة الحمل. فالدمج بين علم الجينات والأعصاب والنمذجة الحاسوبية يَعِد بانتقال العلاجات الطبّية إلى مستويات غير مسبوقة من التخصص والدقة.

ذو صلة

والآن بعد كشف النقاب عن هذه الصلات العميقة بين الوراثة والتطور الدماغي، يمكن القول إن فَهْمَنا القديم لنشأة الأمراض النفسية يحتاج إلى مراجعة جذرية – فما كان يعتقد أنه يظهر في المراهقة أو عند التقدم في السن، قد يبدأ في الحقيقة من الشهور الأولى لوجود الجنين.

ختاماً، تُظهر هذه الدراسة أهمية استخدام مصطلحات مثل "الشبكات التنظيمية الجينية"، و"الخلايا الجذعية العصبية"، و"النوافذ الزمنية الحرجة"، فهي تضفي وضوحاً وقوةً على كتابة الخبر، كما أن تركيز الفقرات على ربط نتائج الأبحاث بالتطبيقات الطبية المحتملة يساعد القارئ على فهم لماذا تستحق هذه النتائج المتابعة والاهتمام. تعريف اضطرابات مثل الشيزوفرينيا بوضوح، أو تدعيم الخاتمة بجملة تربط تحوّل الفهم العلمي بعلاجات الجيل القادم، يمنح النص اتساقاً وعمقاً أكبر.

ذو صلة