ذكاء اصطناعي

رصد حركة إلكترون واحد لحظة حدوث تفاعل كيميائي لأول مرة في التاريخ

محمد كمال
محمد كمال

4 د

استطاع الباحثون رصد حركة إلكترون واحد أثناء تفاعل كيميائي، إنجاز علمي غير مسبوق.

استخدم العلماء ومضات الأشعة السينية فائقة السرعة لدراسة الجزيئات أثناء تفككها.

يساهم هذا الإنجاز في تصميم مواد كيميائية أكثر كفاءة وأماناً مستقبلاً.

يمكن لهذا الاكتشاف تحسين تطوير الأدوية وجعل العمليات الكيميائية أكثر فعالية وأقل تلويثاً.

فتح الإنجاز آفاق لفهم الديناميكا الإلكترونية في التفاعلات الكيميائية بشكل أعمق.

في خطوة علمية غير مسبوقة، نجح فريق من الباحثين في رصد حركة إلكترون منفرد أثناء حدوث تفاعل كيميائي، وهو إنجاز قد يفتح أفقاً واسعاً لفهمنا للعمليات الذرية وتصميم مواد كيميائية أكثر كفاءة وأماناً في المستقبل.

لطالما تساءل العلماء عن سر التحولات الكيميائية ومتى تحديداً تبدأ الإلكترونات – تلك الجسيمات الصغيرة التي تدور حول نواة الذرة – في التنقل بين الجزيئات خلال التفاعل. لكن رغم كل التقدم الذي حققته تقنيات الأشعة السينية وأجهزة المجهر القوية، ظل تتبع حركة إلكترون واحد بمثابة مهمة شبه مستحيلة. اليوم، بفضل ومضات الأشعة السينية فائقة السرعة وتجارب ذكية على جزيئات بسيطة مثل الأمونيا، أصبح الحلم واقعاً.


تجربة الأشعة السينية فائق السرعة: نافذة على الأعماق الخفية

تعتمد معظم أساليب التصوير الذري الحديثة على الأشعة السينية القادرة على التقاط تفاصيل دقيقة لذرات وجزيئات في قلب التفاعل الكيميائي. ورغم أن لهذه الأشعة قدرة هائلة على كشف أسرار النواة الذرية والإلكترونات القريبة منها، إلا أن الإلكترونات الخارجية، أو ما يُعرف بإلكترونات التكافؤ، لطالما أفلتت من عدسات الباحثين. هذه الإلكترونات، بحكم موقعها في المدار الخارجي، هي اللاعب الأساسي في أي تغير كيميائي، فهي التي تقفز بين الجزيئات وتفتح الباب لتفاعلات جديدة. وهنا تظهر روعة الإنجاز الأخير؛ إذ استطاع العلماء التقاط الصورة الأولى للحركة الفعلية لإلكترون في التفاعل.

هذا الإنجاز لم يكن ممكنًا لولا استخدام تكنولوجيا متقدمة جداً في مختبر المسرّع الوطني SLAC بالولايات المتحدة. فقد قام الباحثون بتسليط نبضات أشعة سينية عالية الكثافة وفائقة القصر على جزيئات الأمونيا أثناء تفككها، بعد أن حفزوها بضوء فوق بنفسجي. هذه النبضات استطاعت "تجميد" لحظة انتقال إلكترون من حالة طاقة إلى أخرى، في مشهد أقرب للنظر إلى قلب الكيمياء نفسها.

وبذلك، يمكن القول إن العلماء عبروا عتبة جديدة في عالم الاستكشاف الذري، لأنه ليس فقط توصلوا إلى تصوير الحالة اللحظية للإلكترون، بل التقطوا أيضاً كيف يتغير شكل "سحابة الإلكترون" أو ما يُعرف بالمدار الإلكتروني خلال سير التفاعل.


كيف يفهم العلم حركة الإلكترونات... ولماذا الأمونيا بالذات

إذا انتقلنا للحديث عن التفاصيل التقنية، لا بد أن نذكر المصطلحات مثل التداخل الموجي والأوربيتالات الإلكترونية، وهي مفاهيم رئيسية في ميكانيكا الكم. الإلكترونات لا تدور ببساطة حول النواة كما قد نتخيل، بل توجد في "سحابة احتمالية"، أي أن وجودها في نقطة معينة أشبه بلعبة حظ تعتمد على الاحتمالات، وليس موقعًا ثابتًا. ولأن جزيء الأمونيا يتكوّن أساساً من عناصر خفيفة وقليل من الإلكترونات الداخلية الصلبة، تمكن العلماء من عزل إشارة إلكترون التكافؤ بشكل واضح، دون أن تطغى عليها إلكترونات النواة.

ربط هذا الإنجاز بين النظرية والتجربة كان تحدياً آخر؛ إذ استعان الباحثون بمحاكاة كميّة لتوقع توزيع الإلكترونات، ثم قارنوا الأنماط المتداخلة للأشعة السينية المنعكسة بالجداول النظرية. حين تطابقت النتائج مع النموذج الذي يضم حركة إلكترون التكافؤ، كان ذلك دليلاً دامغاً على وقوع الحدث الذي انتظره الجميع: تتبع إلكترون واحد فعليًا أثناء التفاعل الكيميائي.


من فهم الإلكترون إلى صناعة الدواء والتقنيات الحيوية

ويطرح السؤال نفسه: ما أهمية كل هذا الكلام المعقد حول مراقبة الإلكترونات؟ ببساطة، كل اكتشاف على هذا المستوى يمكن أن يحدث فارقًا في تطوير الأدوية الجديدة، أو تحسين العمليات الكيميائية الصناعية لجعلها أقل تلويثاً وأكثر فاعلية. العلماء يأملون أن تتيح هذه التقنية مستقبلاً تصميم تفاعلات كيميائية حسب الطلب، من دون منتجات جانبية غير مرغوب فيها.

يأتي هذا التطور في لحظة تزداد فيها الحاجة لفهم أعمق للعلاقة بين المادة والطاقة، ولفك رموز التركيب الذري للجزيئات ذات التطبيقات الطبية والبيئية والتقنية. إذ ربما يمهّد الطريق لأبحاث أكثر تعقيداً لا تقتصر على جزيئات بسيطة مثل الأمونيا، بل تشمل البيئات الثلاثية الأبعاد والمواد البيولوجية المعقدة.

ذو صلة

خلاصة الحدث: المستقبل يبدأ من إلكترون

مع هذا الإنجاز، يدخل العلم مرحلة جديدة من القدرة على مراقبة الديناميكا الإلكترونية في صميم التفاعل الكيميائي. خطوة واحدة صغيرة على مستوى الإلكترون، لكنها قفزة كبيرة لفهمنا للمادة وتفاعلاتها، وقد تؤسس لحقبة يكون فيها تطوير المواد والأدوية أقل غموضًا وأكثر استهدافًا ودقة. كل ذلك يبدأ من مراقبة بسيطة لكن ثورية... إلكترون وحيد يتحرك في لحظة فارقة.

ذو صلة