رقاقات هارفارد فائقة الرقة: ثورة في الحوسبة الكمومية تفتح آفاقًا جديدة

3 د
طور فريق هارفارد شريحة ضوئية فائقة الرقة للتحكم بالفوتونات في الحوسبة الكمومية.
تستخدم "ميتاسيرفيس" لتحويل العمليات الكمومية إلى مسارات نانومترية دقيقة.
تمكن الباحثون من استخدام نظرية الرسوم البيانية لتحليل التداخلات الضوئية بدقة.
تعد الرقاقة بديلاً فعالاً للأجهزة البصرية التقليدية الضخمة في الحوسبة الكمومية.
تحمل الشريحة مستقبلاً واعدًا لتطوير الشبكات الكمومية وتقنيات الاستشعار المتقدمة.
في خضم سباق الأبحاث المتسارع لصناعة حواسيب كمومية واقعية وشبكات معلومات متطورة، لمع في الأفق ابتكار جديد قادم من جامعة هارفارد قد يعيد رسم خارطة مجال الإلكترونيات الضوئية. تخيّل أن تكون جميع الأدوات البصرية الضخمة والمعقدة – من مرايا وعدسات ومقاسم حزم – التي يتطلبها التحكم في الفوتونات (جسيمات الضوء الأساسية) مضغوطة كلها في رقاقة واحدة فائقة الرقة أرق من شعرة الإنسان. هذا هو ما نجح فريق من علماء الهندسة والفيزياء التطبيقية في هارفارد في تحقيقه مؤخرًا، فاتحين الباب لجيل جديد من الحوسبة وشبكات الاتصالات الكمومية، إضافة إلى تقنيات استشعار دقيقة غير مسبوقة.
عند الحديث عن الحوسبة الكمومية، تبدأ القصة دومًا مع الفوتونات، تلك الجسيمات التي تحمل المعلومات بسرعة الضوء والتي يمكن إقحامها في حالات كمومية كالتشابك. حتى الآن، كان التحكم بهذه الفوتونات ومعالجتها يتم عبر رقاقات ضخمة مليئة بمسارات ضوئية ومكونّات كثيرة، أو باستخدام أجهزة مختبرية ضخمة كالعدسات والمرايا والمقاسم. كلما ازداد تعقّد التطبيق، احتجنا إلى المزيد من هذه العناصر البصرية، مما جعل تقنيات الحوسبة الكمومية البصرية صعبة التصنيع والتوسعة.
وبانتقالنا لفهم الحل الفريد الذي قدّمه باحثو هارفارد، نجد أن كلمة السر كانت في الـ "ميتاسيرفيس" أو السطوح الفائقة – وهي طبقات رقيقة جدًّا محفورة بأنماط نانومترية قادرة على توجيه والتحكم بالضوء بشكل مذهل. بقيادة العالم فيديريكو كاباسو، صمّم الفريق سطوحًا فائقة تعمل كمحطات معالجة كمومية متكاملة على شرائح مجهرية. هذه الميتاسيرفسات ليست فقط بدائل مدمجة وذات كفاءة عالية للمختبرات التقليدية، بل تتمتع بمزايا عملية مثل المتانة وقلة الفقد في الضوء وسهولة التصنيع وعدم الحاجة لمحاذاة دقيقة بين أجزائها. والأهم، أنها تمهّد لمفهوم "المختبر على رقاقة"، ما يعني أنه يمكن تصنيع أجهزة كمومية كاملة بحجم بضع ميليمترات!
ولأن تعقيد العمليات الكمومية يزداد مع كل فوتون إضافي، واجه العلماء تحديًا رياضيًا هائلًا في تصميم سطوح قادرة على التحكم بدقة في معايير الضوء مثل الطور والاستقطاب والشدة. من هنا جاء الحل المبتكر: تطبيق نظرية الرسوم البيانية (Graph Theory)، وهي أحد فروع الرياضيات التي تدرس العلاقات والتشابك بين العناصر بشكل بصري ومنهجي. بفضل هذه النظرية، استطاع الباحثون تمثيل وتحليل حالات التشابك الضوئي وتنبؤ تأثيراتها دون البناء الفعلي لمكونات بصرية كثيرة. هذا الربط بين عالم الرسوم البيانية وتصميم الميتاسيرفس يُعد قفزة نوعية تسهّل التعامل مع عمليات كمومية معقّدة وتفتح الطريق لأتمتة تصاميم الشرائح الكمومية.
وتعزيزًا لهذا الإنجاز، يرى أعضاء الفريق أن ذلك المسار لا يؤثر فقط على الحوسبة الكمومية الضوئية، بل يمكن أن يُسرع تطوير الشبكات الكمومية، ويجلب إمكانيات جديدة لاستشعار الدقائق الكمومية بدقة، بل ويوفر فرصًا للعلماء لتجربة مفاهيم كمومية متقدمة في نطاق المختبرات المصغّرة. كل هذه الخطوات تجعل الحلول القائمة على الميتاسيرفس منافسة شرسة للتقنيات التقليدية مثل الحواسيب الكمومية المبنية على الموصلات الفائقة أو الذرات المحبوسة، بينما تتفادى مشاكل الحجم وارتفاع معدل الأخطاء.
وإذ تتسع دائرة الاهتمام بهذا الإنجاز إلى الهيئات الفيدرالية الداعمة للأبحاث، يظهر جليًّا أن رقاقة هارفارد فائقة الرقة ليست مجرد خطوة هندسية، بل بداية توجه جديد في قطاع الإلكترونيات الضوئية الكمومية. تبرز هنا فرصة ثمينة لتعميق فهمنا للضوء الكمومي وتطوير تقنيات معالجة بيانات تفي بمتطلبات المستقبل الرقمي، لا سيما وأن التطبيق العملي لهذه الرقاقات صار أقرب من أي وقت مضى.
في الختام، يبقى أمام الباحثين تحديات في سبيل تحسين التحكم الدقيق بالفوتونات وتوسيع قدرة الميتاسيرفسات على التعامل مع حالات كمومية أكثر تعقيدًا. يمكن أيضًا تعزيز قوة النص بإبدال عبارة "محطات معالجة كمومية متكاملة" بـ"منصات معالجة معلومات ضوئية متعددة المهام" لإضفاء دقة أكبر، كما يجدر ربط أهمية نظرية الرسوم البيانية أكثر بتوقع أخطاء الشبكات الكمومية في المستقبل. وبينما تواصل فرق البحث جهودها، تزداد احتمالية أن تصبح أجهزة الحوسبة الكمومية، بشتى أشكالها وضخامة طموحاتها، جزءًا معتادًا من عالمنا في النهاية.