ذكاء اصطناعي

رقم قياسي جديد في دقّة الحوسبة الكمية يفتح الباب أمام حواسيب أصغر وأسرع

محمد كمال
محمد كمال

4 د

حقق علماء معدل خطأ غير مسبوق في الحوسبة الكمية بنسبة 0.

000015%.

تتيح المنهجية الجديدة استخدام الأيونات المحصورة في درجة حرارة الغرفة.

تعزز التقنية الحديثة دقة العمليات الكمّية بتقليل تصحيح الأخطاء.

التحديات المتبقية تعتمد على تحسين عمليات الكيوبتات المتعددة.

تحمل الإنجازات وعدًا بحواسيب كمية أسرع وأقل تكلفة.

في تقدّم علمي استثنائي قد يغيّر مستقبل التقنية جذريًا، تمكن فريق من العلماء من الوصول إلى أدنى معدل خطأ في الحوسبة الكمية تم تسجيله على الإطلاق، بنسبة بلغت 0.000015%. هذا الإنجاز ليس فقط رقمًا نظريًا مدهشًا بل يحمل معه آفاقًا واقعية لتطوير حواسيب كمية عملية أكثر كفاءة وصغرًا وسرعة.

داخل أروقة جامعة أكسفورد العريقة التي تحتفي بالابتكارات منذ قرون، أُعلن هذا الأسبوع عن كسر رقم قياسي عالمي في مجال الحوسبة الكمية. الفريق البحثي تمكّن من تقليل معدل الأخطاء إلى حد غير مسبوق: خطأ واحد فقط في كل 6.7 ملايين عملية كمية، وذلك عبر نشر نتائجهم في مجلة "فيزيكال ريفيو ليترز" المرموقة. ويجدر بنا هنا التوضيح أن معدلات الأخطاء، أو ما يُعرف بـ "الضوضاء" في لغة البرمجة الكمومية، تشكل أكبر عقبة أمام تحويل الحواسيب الكمية من تجارب محصورة إلى أدوات عملية يمكن تعميم استخدامها. إذ لحساب كمومي سريع ودقيق، لا بد أن تبقى الأخطاء في عمليات البت الكمي (كيوبت) عند حدها الأدنى.

وهذا يوضح لماذا يشكّل التحكم في مصادر الخطأ حجر الأساس في تطوير هذه التقنية الحيوية. الفريق لم يركّز فقط على معالجة الضوضاء الناجمة عن القيود الفيزائية الجوهرية مثل "التسرب الكمومي" (وهو فقدان البت الكمي حالته الحسابية) أو "فقد التماسُك" (التحلل الطبيعي للحالة الكمية)، بل أولى اهتمامًا خاصًا بتقليص أخطاء البنية المعمارية وتقنيات التحكم بالحاسب ذاته — أي المصدرين الذين يمكن للعلماء فعليًا التدخل لتخفيض أثرهما حتى يكادا يختفيان.


ابتكار غير مسبوق: حوسبة الأيونات المحصورة بتقنية المايكروويف

هنا تبرز النقلة النوعية للعمل، إذ ابتعد الفريق عن الأساليب المعهودة في تصميم الحواسيب الكمية المبنية غالباً على الفوتونات أو الدارات فائقة التوصيل. بدلاً من ذلك، استخدموا منصة مصممة خصيصًا تتضمن "أيونات محصورة" من الكالسيوم-43، يتم التحكم فيها عبر الموجات الدقيقة (مايكروويف). ما يميز هذا الأسلوب إمكانية العمل في درجة حرارة الغرفة، على عكس الأنظمة التي تتطلب تبريدًا عميقًا لتأمين الاستقرار، ما يبسط كثيرًا بنية النظام ويمهد أمام إدماج هذه التقنية مستقبلاً في أجهزة حاسوب كمية ذات حجم وكلفة أقل.

ولتعزيز دقة عمليات الكمّ، صمّم العلماء خوارزمية ذكية تقوم بشكل تلقائي بقياس وتصحيح انحرافات الأمواج الدقيقة في السعة والتردد، ما مكّنهم من تحقيق "بوابات كمومية" ذات أداء عال. جدير بالذكر أن "البوابة الكمومية" تعادل العملية المنطقية التي تُجرى في كل معاملة كمومية، فكلما زاد عددها مع دقة عالية قلّت الحاجة لآليات تصحيح الأخطاء المكثفة التي كانت تعيق توسيع الأنظمة السابقة.

ومن هذا المنطلق، نجد أن دمج هذه التقنية مع غيرها من الابتكارات الحديثة في مجال معالجة الكيوبتات، مثل تقنيات ضبط الطور وتجميع العمليات على مستوى الذرة الفردية، يقدّم دفعة مهمة نحو بناء منظومات كمومية عملية وواسعة النطاق.


التحديات المتبقية على الطريق نحو حوسبة كمية للجميع

على الرغم من هذا التقدم، يبقى الطريق أمام الحوسبة الكمية الطموحة مليئًا بالتحديات. فمعظم الخوارزميات الكمية المعقدة تعتمد على عمليات ثنائية أو متعددة الكيوبتات (multi-qubit gates)، وهذه لا تزال تعاني من معدلات خطأ أعلى بكثير – تصل إلى خطأ واحد في كل 2000 عملية تقريبًا. لذا، ورغم تقليص الحاجة لعدد كبير من بتات التصحيح ودفع عجلة تصغير الأجهزة، لا بد لصناعة الحوسبة الكمية من مواصلة البحث لتقليل الضوضاء حتى في العمليات الثنائية والمتعددة لتلبية المتطلبات الحسابية المتقدمة.

وبطبيعة الحال، هذا الربط يوضح كيف أن الإنجازات الحديثة، رغم ضخامتها، تمثل خطوة ضمن سلسلة طويلة من القفزات العلمية نحو الحوسبة الكمية الشاملة والموثوقة.

ذو صلة

وفي نهاية المطاف، يحمل هذا الإنجاز وعدًا لمستقبل قد نشهد فيه حواسيب كمية أسرع بمراحل من أي نظام تقليدي متاح اليوم، وبتكلفة وجهد أقل بكثير مما كان متصورًا. غير أنه سيكون من المفيد لو تم تعزيز النص بإضافة جملة تربط الإنجاز الحالي برحلة تصاعدية سبقتها أبحاث كبيرة على مدى الأعوام الماضية، مع استبدال مصطلح "أخطاء" في مواضع محددة بـ"ضجيج حسابي" لإغناء السرد، وربط فقرات العرض التحليلي بسياقات تقنية ومجتمعية أوسع تعزز وضوح الرؤية لدى القارئ العادي المهتم بمستقبل التقنية.

ومهما بلغت التقنية من تعقيد، يبقى الأمل كبيرًا أن نشهد عصر الحوسبة الكمية العملي يطل أخيرًا على العالم، لتصبح الدقة الفائقة والموثوقية حجر الزاوية في البرمجة، الذكاء الاصطناعي، وأبحاث الفيزياء المتقدمة في السنوات المقبلة.

ذو صلة