ذكاء اصطناعي

زحل ليس ميتًا؟ الصين تستعد لكشف أسرار قد تقلب العلم رأسًا على عقب

محمد كمال
محمد كمال

3 د

الصين تخطط لاكتشاف قمر إنسيلادوس سعيًا لمعرفة أسرار الحياة في الجليد.

كشفت مركبة كاسيني عن بخار ماء ومواد عضوية في إنسيلادوس.

سترسل الصين مركبة ومدارية وروبوت حفر للوصول للمحيط المائي أسفل الجليد.

تهدف المهمة للبحث عن العناصر الأساسية للحياة مثل الكربون والنيتروجين.

تعزز الصين خبرتها في الفضاء برحلاتها لإينسيلادوس وتعاوناتها التقنية المستمرة.

هل يعقل أن يحمل الجليد السميك على سطح أحد أقمار زحل مفاتيح الإجابة على سؤال الوجود البشري؟ هذا بالضبط ما تراهن عليه الصين الآن، إذ أعلنت عن خطة طموحة لاستكشاف قمر "إنسيلادوس"، أحد أشهر أقمار زحل والذي يعتبره العلماء المكان الأكثر وعدًا للبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض.

منذ أن كشفت مركبة كاسيني التابعة لناسا قبل سنوات عن نافورات ضخمة من بخار الماء تتفجر من سطح إنسيلادوس، تبدلت نظرتنا لهذا الجرم الصغير النائي. فهذه الانبعاثات، التي تتدفق من شقوق جيولوجية سميت بـ"الخطوط النمرية" في القطب الجنوبي للقمر، أوحت بوجود محيطٍ هائل من المياه المالحة تحت قشرته الجليدية، يُحافظ على حرارته بواسطة التدفئة بفعل المد والجزر، أي بفعل جاذبية زحل المستمرة بالتأثير عليه. ومن خلال تحليل المواد المقذوفة في الفضاء، رصد العلماء مركبات عضوية وعناصر أساسية مثل الكربون والهيدروجين والنيتروجين، وهي مكونات أساسية للحياة كما نعرفها على الأرض.

دوافع الصين العلمية لاختراق هذه الأعماق ترتكز على آمال كبيرة في العثور على مؤشرات حياتية، أو على الأقل بيئة صالحة للحياة البيولوجية. وربطًا بهذا، وضعت وكالات الفضاء الصينية مثل مختبر استكشاف الفضاء العميق والمعهد الهندسي للأقمار الصناعية في شنغهاي، تصوّراً ينقلنا إلى حدود العلم: إرسال مركبة مدارية متطورة، ومسبار هبوط، وروبوت حفر عميق يمكنه اختراق الطبقة الجليدية التي يقدّر سمكها بنحو خمسة كيلومترات، وصولاً إلى ملامسة المحيط المائي تحت الجليد مباشرة.

آلية عمل الأجزاء الثلاثة في هذه المهمة متكاملة: تبدأ الرحلة بمركبة مدارية تلتقط صورًا دقيقة وتستخدم وسائل مثل مقياس طيف الأشعة تحت الحمراء ولواقط الليزر لرسم خريطة سطح إنسيلادوس، مسح الحقول المغناطيسية، وتحديد منطقة مثالية لهبوط المسبار. يصل المسبار ليؤكّد تلك الاكتشافات بأجهزة تحليل ميدانية مباشرة. ثم يبدأ البطل الحقيقي المهمة: روبوت الحفر، المصمم ليستبدل الحفر الميكانيكي التقليدي بحفر حراري يستخدم طاقة نووية، ما يقلل من تآكل الأدوات وحوادث انسدادها بجزيئات الجليد، ويرفع فرص الوصول الآمن إلى المحيط الداخلي المظلم.

ومع كل سنتيمتر يقطعه الروبوت في عمق الجليد، تراقب الأدوات العلمية المركبة مكونات العينة عبر تحليل طيفي وتقنيات مطياف الكتلة بحثًا عن العناصر الستة الضرورية لنشوء الحياة: الكربون، الهيدروجين، الأكسجين، النيتروجين، الفسفور والكبريت. الشبكات الملاحية المدمجة في الروبوت والتي استُوحي بعضها من أفكار ألمانية كبروتوكولات إنكس، معتمدة على مستشعرات ليدار وأجهزة تحديد صوتية، تتيح له التنقل بدقة وسط هذا المحيط المجهول.

وتربط هذه الجهود المتسارعة بالنجاحات الصينية السابقة في الفضاء البعيد، فبعد إنجازات تيانوين-1 على المريخ والتي وضعت الصين ضمن نادي الفضاء العالمي، انطلقت تيانوين-2 باتجاه الكويكبات، وعلى الأعتاب تنتظر تيانوين-3 لمهام نقل عينات من تربة المريخ، وأخيرًا تيانوين-4 المرتقبة نحو المشتري وقمره كاليستو. هذه السلسلة من المهمات تكسب الصين خبرة في إدارة الاتصالات الفضائية بعيدة المدى، وتطوير الأنظمة ذاتية التشغيل، واستخدام الطاقة النووية للمهمات الطموحة في مناطق لا تصل إليها الطاقة الشمسية بالكفاءة المطلوبة.

ذو صلة

تكامل هذه الخلفية مع مهمة استكشاف إنسيلادوس يضمن للصين عبور الحواجز التقنية واللوجستية للعمل في منظومة زحل، حيث مسافة الملايين من الكيلومترات تتطلب حلولًا هندسية غير تقليدية وحلولًا للانقطاع الطويل في التواصل مع الأرض.

وهكذا، بينما تواصل دول العالم مراقبة هذا السباق العلمي، تبرز مهمة الصين إلى قمر إنسيلادوس كمثال على الشغف الإنساني بالأجوبة الكبرى حول أصل الحياة. إن نجاح الصين في هذه المغامرة قد يفتح آفاقًا غير مسبوقة لفهم محيطات الأقمار الجليدية في النظام الشمسي، وربما يقود البشرية خطوة حقيقية نحو اكتشاف أننا لسنا وحدنا في هذا الكون الرحب.

ذو صلة