ذكاء اصطناعي

زرع أول نخاع شوكي إلكتروني في العالم يعيد الأمل بالحركة لمرضى الشلل

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجح العلماء في تركيب "عمود فقري إلكتروني" يعيد الحركة لمرضى الشلل.

التقنية تزرع جهازًا لتعزيز التواصل بين الدماغ والأطراف واستعادة الحركة.

استعاد بعض المرضى الحركة بعد الشلل التام، مما يحسن نوعية حياتهم بشكل ملحوظ.

تركيب الجهاز يتطلب متابعة دقيقة، لكنه يمثل تقدمًا ثوريًا في علاج إصابات الحبل الشوكي.

التقنية تثبت أن العودة للحياة النشطة أصبحت ممكنة مع هذا الابتكار الطبي.

تخيل أنك تستعيد القدرة على الوقوف والمشي بعد سنوات من العجز التام، وكأن الجسد يستفيق من سبات طويل. هذا لم يعد خيالًا علميًا، بل أصبح واقعًا بفضل إنجاز طبي غير مسبوق: نجاح فريق من العلماء في تركيب أول "عمود فقري إلكتروني" أعاد الحركة لمرضى أصيبوا بشلل نصفي أو كلي نتيجة إصابات في النخاع الشوكي.

يُعتبر إصابة الحبل الشوكي – ذلك الحبل العصبي الدقيق الممتد داخل عمودنا الفقري – من أكبر كوابيس الطب الحديث، لأنها عادة ما تعني فقدان الحركة والإحساس في الأطراف إلى الأبد. لكن التطورات الأخيرة في علم الأعصاب والهندسة الطبية فتحت نافذة أمل جديدة بفضل ابتكار جهاز يُزرع داخل الجسم لإحياء التواصل بين الدماغ والأطراف.

نتائج مذهلة للمرضى
ولعل أكثر ما يثير الدهشة أنه، بعد الرحلة الطويلة من التجارب والتطوير، تمكّن مرضى بالشلل التام من الوقوف، وأخذ خطوات فعلية باستخدام هذه التقنية. في التجارب، استطاع بعضهم استعادة السيطرة على عضلاتهم التي ظلت بلا حراك لسنوات، وحققوا تحسنًا ملحوظًا في الحركة اليومية وقوة العضلات. هذا يعني أن مفهوم معالجة الشلل يتغير كليًا: من رعاية المُقعد مدى الحياة نحو إعادة إدماجه في الحياة الاجتماعية والعملية.

الإبداع وراء العمود الفقري الإلكتروني
كيف ينجح هذا الابتكار في إعادة الوصل بين الدماغ والأطراف؟ السر هو جهاز يتم زرعه جراحيًا على الحبل الشوكي، يتكون من مصفوفة أقطاب كهربائية دقيقة تلقى إشارات كهربائية موجهة بدقة. يعمل الجهاز كمحاكٍ لإشارات الدماغ المفقودة، حيث يصدر نبضات كهربائية مصممة بعناية لتحفيز الأعصاب الحركية في المواضع الصحيحة. هذه النبضات تتيح للعضلات تلقي أوامر بالحركة وكأن جسرًا إلكترونيًا قد علا الفجوة العصبية.

ولتعزيز فعالية هذه التقنية، تُبرمج أنماط النبضات بما يتناسب مع نوع الحركة المطلوبة: الوقوف، المشي، أو حتى صعود الدرج. وهنا يتقاطع الطب العصبي مع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية ليولّد نظامًا ذكيًا يستجيب لحاجات المريض وظروفه الفردية باستمرار، فينعكس ذلك بشكل تدريجي على تعلم الجسم واكتسابه مهارات حركية جديدة. وهذا يوضح كيف يمكن لتقنيات التحفيز العصبي والابتكارات في علوم الأعصاب أن تمثل ثورة في علاج إصابات الحبل الشوكي.

مدى التأثير على نوعية الحياة
نجاحات التقنية لا تتوقف عند استعادة الحركة فقط، لكنها تتعداها لتعطي المرضى كرامة جديدة واستقلالية أكبر في أنشطتهم اليومية. فبعد أن كانوا بحاجة دائمة لمرافقة في المهام البسيطة مثل الانتقال من مكان إلى آخر، أصبح لبعضهم القدرة على الوقوف والمشي بمساعدة جزئية أو حتى بدونها في حالات محدودة. ومن النتائج النفسية الملحوظة انخفاض معدلات الاكتئاب وزيادة الثقة بالنفس وتحسن جودة الحياة بشكل عام. وهذا يربط ما بين إنجازات الطب الحديث وتغير النظرة للمصابين بالشلل من متلقين للرعاية فقط إلى فاعلين مستقلين في المجتمع.

حدود الابتكار وأسئلة المستقبل
وبالرغم من كل هذه الإنجازات، هناك الكثير من الأسئلة التي ما زال الطب يسعى للإجابة عليها. فعالية الجهاز قد تتفاوت بين حالة وأخرى، وتعتمد على طبيعة الإصابة ومدة الشلل ونوعية الأعصاب المتبقية. ناهيك عن أن الإجراء يتطلب متابعة دقيقة وبرمجيات متطورة وخضوع المريض لبرامج تأهيل مستمرة. ومع ذلك، النجاح في استعادة حتى جزء بسيط من الحركة يمثل تقدمًا ثوريًا يبشر بتحسن مستقبلي أكبر مع تطوير هذه التقنية وتوافرها على نطاق أوسع.

ذو صلة

الآفاق الأوسع: عندما يلتقي الأمل بالعلم
الواضح أن الجسم البشري يملك مرونة أعمق مما نعتقد، عبر ما يعرف باللدونة العصبية؛ أي قدرة الخلايا العصبية على تعلم طرق جديدة للتواصل حتى بعد الإصابة. اكتشاف هذه الإمكانية بالتحفيز الكهربائي الدقيق قلب المفاهيم التقليدية حول الشلل، ورسّخ قناعة جديدة بأن العودة للحياة النشطة ليست مستحيلة. وهذا يبرز مرة أخرى القوة الكامنة حين يجتمع الإبداع العلمي مع إصرار الإنسان على التحدي، ليمنح الأمل لملايين الحالمين بيوم يقفون فيه مجددًا على أقدامهم.

في النهاية، تثبت هذه التقنية أن الحدود ما بين الإعاقة والتمكن أصبحت أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وأن رحلة الإنسان في استعادة كرامته وحريته البدنية قد بدأت عصرًا جديدًا بالفعل. يظل المشوار طويلًا، لكن الخطوة الأولى – التي عادت لتصبح ممكنة بفضل العمود الفقري الإلكتروني – تحمل معها وعدًا بمستقبل أكثر إشراقًا للمصابين حول العالم.

ذو صلة