ذكاء اصطناعي

سرقة في أعماق البحار: كيف تستولى كائنات بحرية على قدرات خارقة من فرائسها!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تسرق بزاقات البحر العضيات من فرائسها لاستخدامها في وظائف حيوية كالتمثيل الضوئي.

تستخدم بزاقة الخس البحري خلايا طحالب مسروقة لتوليد الغذاء عبر "أكياس السطو الخلوي".

تقوم بزاقات (Elysia chlorotica) باستخدام خلايا الطحالب لإنتاج طاقة الشمس كالنباتات.

بعض بزاقات البحر تستولي على خلايا لاسعة من شقائق النعمان لاستخدامها كأسلحة دفاعية.

تشير الاكتشافات لتبادل الجينات بين الكائنات وتفتح آفاقاً لهندسة الطاقة المتجددة.

 تخيل أن تمتلك القدرة على سرقة القدرات الخارقة من خصومك لتستخدمها في مصلحتك، يبدو الأمر وكأنه مأخوذ من قصص الأبطال الخارقين! لكن هذه الموهبة الفريدة موجودة بالفعل في عالم البحار، وبالتحديد عند أنواع مذهلة من الرخويات البحرية تُسمى ب"البزاقات البحرية".

في دراسة حديثة مثيرة قام بها علماء من جامعة هارفارد، اكتشف الباحثون أن بعض أنواع البزاقات البحرية قادرة على نهب وسرقة أجزاء حيوية تعرف بـ"العضيات" من الكائنات التي تفترسها، ثم استخدام هذه الأجزاء لأداء وظائف حيوية مبتكرة لا تمتلكها تلك البزاقات في الأصل، مثل القيام بعملية البناء الضوئي أو البيولومينسينس (الإضاءة الحيوية) وحتى إنتاج خلايا لاسعة للدفاع عن نفسها.


"أكياس السطو الخلوي".. سر بإمكانات هائلة

واحدة من أكثر الأنواع غرابة هي بزاقة الخس البحري (Elysia crispata)، هذه البزاقة طورت في أجسادها غرفاً مخصصة تسمى "كليبتوسومات" أو أكياس سطو خلوي. داخل هذه الحجرات الخاصة، تحتفظ البزاقة بخلايا تسمى الكلوروبلاست التي تسرقها من الطحالب. ومنعاً لتحلل هذه الخلايا داخل جسمها، تقوم البزاقة بخفض نشاط نوع معين من الخلايا يُسمى "الليسوسوم" وظيفتها عادة هضم المواد الغريبة. وبهذه الحيلة المبتكرة، تتحول الكلوروبلاست إلى ألواح شمسية حية داخل جسم البزاقة، فتتمكن من صنع غذائها ذاتيًا باستخدام ضوء الشمس مباشرة.

ولا يتوقف الإبداع عند هذا الحد، إذ وجد الباحثون أن البزاقة تُركّب معها أيضاً بعض البروتينات خاصة بها، وتمتزج هذه البروتينات مع بروتينات الطحالب لتشكّل دمجاً مذهلاً بين الضحية والآكل. تعمل هذه المنظومة بشكل ممتاز لدرجة أن بعض أنواع هذه البزاقات تستطيع العيش شهوراً عدة بعد تناول وجبة واحدة فقط!

ليس البزاقات وحدها من تتقن هذه الخدعة الذكية، إذ تبين مؤخراً أن بعض أنواع الديدان البحرية المسطحة تتمكّن أيضاً من سرقة الكلوروبلاست من طحالب دقيقة تسمى "الدياتومات"، في كشفٍ يُعتبر الثاني فقط من نوعه في مملكة الحيوان.


عندما تصبح الحيوانات كالنباتات

بجانب هذه الظاهرة المثيرة المُسماة "كليبتوبلاستي"، اكتشف العلماء قدرة استثنائية أخرى لدى نوع آخر من البزاقات يسمى (Elysia chlorotica). إذ تبين أنها تمتص خلايا الطحالب دون تدميرها، ثم تحافظ على خلايا التمثيل الضوئي هذه في أجسادها، مما يسمح لها بإنتاج الطاقة وتحويل طاقة الشمس إلى سكريات وغذاء بشكل يماثل النباتات. ولمزيد من التعقيد، وجد العلماء أن هذه البزاقة حصلت على قياسات جينية دقيقة من الطحالب، واستخدمتها في إنتاج مادة الكلوروفيل الضرورية لعملية التمثيل الضوئي، وهي إمكانية لم تكن معروفة سابقاً في أي حيوان.


أسلحة مسروقة.. استراتيجيات دفاعية مذهلة

توجد حالات أخرى أكثر غرابة أيضاً، فبعض أنواع بزاقات البحر المسماة "بيرغيا نوديبرانش" تسرق خلايا لاسعة من شقائق النعمان التي تتغذى عليها. هذه الخلايا المُسماة "النيماوسيستات" تخزّنها في أنسجة خاصة معها تسمى "كنيدوساكس"، لتستخدمها لاحقا كأسلحة دفاعية عندما تشعر بالخطر أو التهديد. وبينما لا تكون لسعاتها مكتملة الفعالية كتلك التي لدى الحيوانات الأصلية، إلا أنها تبقى كافية لردع أغلب المهاجمين!

ومن المُدهش أن هذه الكائنات الصغيرة طورت استراتيجية اجتماعية في الصيد، إذ تهاجم شقائق النعمان في مجموعات منظمة، مما يقلل من خطر الإصابات ويحمي أفرادها بشكل أفضل.


بين الحقائق والخيال.. ماذا يعني هذا للعِلم؟

البروفيسور كوري ألارد وزملاؤه في جامعة هارفارد أوضحوا أن هذه الاكتشافات ليست مجرد فضول بيولوجي، بل تقدم أدلة مهمة حول كيفية تطور الكائنات الحية وتبادلها الجينات والمواد الحيوية، بطريقة يعتقد العلماء أنها مستحيلة بين حيوان ونبات. بالإضافة إلى أنّ هذه المعرفة قد تفتح آفاقا جديدة في مجالات هندسة الطاقة المتجددة، مثل تقنيات التمثيل الضوئي الاصطناعية، والاستفادة منها في إيجاد مصادر طاقة مستدامة في المستقبل.

ذو صلة

وفي الختام، تظل الطبيعة منجمًا ساحراً من الأسرار التي لا تتوقف عن إدهاشنا، ولعلنا نستبدل في المستقبل لفظة "سرقة" بمفهوم "تبادل وتكامل" لندرك أن هذه الظواهر تفتح أمامنا آفاقاً أوسع لفهم شبكة الحياة الغامضة وتأثير كل كائن حي داخل منظومة التوازن الطبيعي. ما رأيك عزيزي القارئ؛ هل نستطيع نحن البشر الاستفادة من هذه الدروس البيولوجية الذكية؟ ربما كان هذا السؤال هو التحدي الذي يواجه علماء المستقبل في إيجاد حلول مستدامة لعالمنا النامي السريع!

ذو صلة