ذكاء اصطناعي

سلحفاة على سطح المريخ: صورة ناسا تشعل نار الجدل!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

التقط مسبار "بيرسيفيرانس" صورة لصخرة تشبه رأس السلحفاة على سطح المريخ.

تساهم ظاهرة "بارايدوليا" في رؤية البشر لأشكال مألوفة في صخور المريخ العشوائية.

اهتم العلماء بحفرة "جيزيرو" لكونها كانت بحيرة عملاقة مليئة بالرسوبيات المعدنية.

يساعد جهاز "شيرلوك-واتسون" في كشف "البصمات الكيميائية" للبحث عن حياة قديمة بالمريخ.

تسهم الصور في تعزيز الفضول العلمي وتقوية ارتباط الجمهور بالاستكشافات الفضائية.

هل تخيلت يومًا أن ترى سلحفاة تتجول في أودية الكوكب الأحمر؟ هذا ما أذهل محبي الفضاء وعشاق الاكتشافات العلمية مؤخرًا، بعد أن التقط مسبار "بيرسيفيرانس" التابع لوكالة ناسا صورة لصخرة تشبه رأس السلحفاة وهي تخرج بحذر من درعها على سطح المريخ. صورة فريدة دفعت رواد الإنترنت إلى التعبير عن إعجابهم فضلاً عن إثارة تساؤلات شيقة حول البيئة المريخية والأسباب الجيولوجية وراء هذه الأشكال الغريبة.

المشهد اللافت جاء في الحادي والثلاثين من أغسطس 2025، حين كانت كاميرا "شيرلوك-واتسون" المثبتة على ذراع المسبار تلتقط صورًا عالية الدقة لصخور حفرة "جيزيرو". وقد ظهر جسم صخري يبدو وكأنه سلحفاة صغيرة ترفع رأسها، ما أدخل المتابعين في موجة من الدهشة. هذه الصدف الجميلة تبين قدرة الطبيعة المريخية على إبداع أشكال تحاكي ما نألفه هنا على الأرض، وتمنح علماء الكواكب فرصة ذهبية لتسليط الضوء على العمليات البيئية في عالمنا الجار.

ويعود الفضل في دقة هذه الصورة إلى منظومة "شيرلوك" (وهي اختصار لاسم طويل معقد: أداة المسح للبيئات القابلة للحياة باستعمال التحليل الطيفي والفحص الشعاعي)، التي تعمل إلى جانب كاميرا "واتسون" المزودة بعدسة واسعة تتيح التقاط تفاصيل دقيقة لسطح الصخور. وقد أنجزت هذه المنظومة عملها عبر إرسال ومضات من الأشعة البنفسجية ثم توثيق الصورة، ما يمنح المهندسين الجيولوجيين إمكانية إلقاء نظرة فاحصة على المكونات المعدنية والتركيبات السطحية للصخور المريخية. بهذه الطريقة، يمكن رؤية طبقات التعرية وملامح التجوية التي تسهم في رسم ملامح تضاريس هذا الكوكب البعيد.

ولعل أكثر ما أضفى على القصة سحرًا خاصًا هو ظاهرة تُسمى "بارايدوليا"، أي ميل الدماغ البشري لرؤية أشكال مألوفة في الأشياء الجامدة أو العشوائية. هذه الظاهرة كثيرًا ما رافقت صور المريخ منذ بدايات الاستكشاف، فسبق أن تحدث العالم عن صور "وجه المريخ" أو "ملعقة معلقة في الهواء". ولكن، الصورة الجديدة للسلحفاة حفزت نقاشات هادئة بين متابعين وهواة فضاء حول السر في وفرة هذه التشبيهات: هل هي مجرد صدف بصرية؟ أم بوابة لفهم أوسع لطبيعة عمليات التعرية والرياح على الكوكب الأحمر؟

ولكي نفهم هذا أكثر، من المهم إدراك أن حفرة "جيزيرو" ليست مجرد مكان عشوائي، بل منطقة كانت فيما مضى بحيرة عملاقة، امتلأت بالرسوبيات المعدنية والدلتا النهرية. هكذا تفاعلت الرياح والتغيرات المناخية على مدى ملايين السنين لتشكل صخورًا ذات حواف وأشكال غريبة، ومنها الصخرة التي تشبه السلحفاة اليوم. لذلك، يولي علماء ناسا أهمية فائقة لدراسة هذه الطبقات الرسوبية لأنها تحمل مؤشرات على وجود الماء وتاريخ مناخي يعود لملايين السنين، إضافةً إلى إمكانية العثور على أدلة تدل على حياة مجهرية قديمة. ويمكن القول إن كل صورة جديدة تظهر فيها صخور كهذه تساعد على رسم خط زمني لتحولات المريخ من كوكب مائي إلى عالم جاف بارد.

وبالحديث عن أدوات الكشف والتحليل، نجد أن جهاز "شيرلوك–واتسون" هو بمثابة عينين ثاقبتين تتابعان أدق تفاصيل الصخور للبحث عن "البصمات الكيميائية" للمواد العضوية أو المعادن التي ربما تكون نشأت في بيئات رطبة. ويأتي هذا الدور في وقت حاسم، إذ يُخطَّط لجمع عينات مختارة من سطح الكوكب ستُرسل مستقبلًا إلى الأرض لتحليلها معمليًا. أهمية اختيار العينات من المناطق ذات التشكيلات الغريبة ـ كصخرة السلحفاة ـ تكمن في زيادة احتمال العثور على آثار بيولوجية، خاصة مع التشجيع الذي تمنحه النقوش الطبيعية على مواصلة البحث والاستكشاف.

ذو صلة

دروس الصورة المريخية الأخيرة لا تتعلق بعلم الكواكب وحسب، بل تلعب أيضًا دورًا تواصليًا، إذ تساعد الجمهور في الارتباط إلكترونيًا بالمهمات الفضائية. فكلما أثارت صورة صخرة شبها بكائن من الأرض، تزايد الفضول العام وتعمّق فهم الناس لتضاريس "الكوكب الأحمر" وتعقيداته الجيولوجية، بما في ذلك الرياح، التعرية، دلتا الأنهار، الصخور البركانية، والجليد القديم. هذا الأمر يدفع وكالات الفضاء لمزيد من الانفتاح على مجتمع المتابعين وتشجيع الأجيال الصاعدة على الفضول العلمي.

وفي الختام، يمكن القول إن صورة السلحفاة الزائفة على سطح المريخ ليست مجرد طرفة أو سراب بصري، بل نافذة جديدة تبرز قدرة أدوات الاستكشاف الحديثة، وتختصر لنا مشهدًا حيًا من التاريخ الجيولوجي للمريخ بلغة نعرفها ونبتسم لها. ومع كل صورة أو كشف جديد، يزداد يقيننا بأهمية الاستمرار في استكشاف العوالم البعيدة طمعًا في أسرار الحياة وقصص الكواكب المجاورة.

ذو صلة