ذكاء اصطناعي

سنوات من الأساطير… والآن العلم يفضح حقيقة الصخور التي تتحرك وحدها!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشفت الأبحاث الجديدة سبب حركة الصخور في وادي الموت بفعل الظواهر المناخية غير المرئية.

أدى دفع الجليد الشفاف إلى زحزحة الصخور الثقيلة تاركة خطوطًا متعرجة على الأرض.

الهطول النادر للأمطار ودرجات الحرارة المنخفضة يسهمان في هذه الظاهرة الفريدة.

الظاهرة نادرة الحدوث وتتطلب توافر ظروف مناخية محددة لتحريك الصخور.

الأبحاث تعزز فهمنا لتأثير الظروف المناخية في تشكيل الظواهر الطبيعية النادرة.

لطالما وقف الزوار أمام مشهد الصخور المتناثرة في صحراء وادي الموت بكاليفورنيا في حيرة من أمرهم، متسائلين: كيف تحركت هذه الصخور الثقيلة تاركة وراءها خطوطاً متعرجة على أرضية بحيرة جافة؟ الآن، ولأول مرة، استطاع العِلم أن يفك شيفرة هذا اللغز الطبيعي الذي حيّر العلماء والهواة لعقود طويلة.

في قلب محمية "وادي الموت" الوطنية، توجد منطقة تُعرف باسم "راف تراك بلايا" أو "مضمار السباق"، حيث تظهر آثار زحف الصخور الكبيرة والصغيرة على سطح مستوٍ وجاف تملؤه التشققات. المشهد كان أشبه بسحر غريب أو كأن الصخور تملك حياة خاصة بها. ولكن، كما تبين مؤخراً، فلا سحر ولا خيال، بل قوة مناخية بحتة هي الفاعل الأساسي في هذه الظاهرة.


بداية الاكتشاف: صدفة علمية في صحراء قاحلة

كل شيء بدأ عندما قام عالمان أمريكيان، جيمس نوريس وريتشارد نوريس، بزيارة المنطقة لمراقبة الظاهرة الغامضة بمجموعة من الكاميرات وبرفقة قليل من الأمل في التقاط لحظة التحرك الفريدة. المدهش أنه خلال زيارتهم في ديسمبر، وبينما كانوا يتفقدون كاميراتهم، اصطدموا بالمشهد الموعود: عشرات الصخور الثقيلة بدأت بالانزلاق ببطء على الأرض، مُحدثة صوت "طقطقة" مميزاً وكأن الطبيعة تؤدي عرضاً خاصاً بهم وحدهم. لقد شاهدوا بأعينهم نحو 60 حجَراً تتحرك مخلفة وراءها تلك الخطوط المتعرجة الشهيرة.

يمثل هذا الاكتشاف روابط مهمة بين التقنيات الحديثة في المراقبة والصدف غير المتوقعة التي قد تقود الاكتشافات العلمية الكبرى في كثير من الأحيان. مهارة العلماء هنا جمعت بين التخطيط والعمل الميداني والحظ الجميل.


كيف تتحرك الصخور؟: ألواح جليدية خفية ومناخ مفاجئ

ربما السؤال الأبرز في هذه القصة هو: ما الذي يدفع تلك الصخور الضخمة للحركة على سطح جاف وقاحل؟ الجواب يكمن في ظاهرة مناخية نادرة وغير مرئية تقريباً للعين المجردة، تسمى "دفع الجليد". حين تتساقط كمية قليلة من الأمطار في الصحراء، تتشكل فوق الأرض المستوية طبقة رقيقة جداً من الماء. وعندما تنخفض درجات الحرارة ليلاً، يتجمد هذا الماء ليكوّن ألواحاً شفافة من الجليد، وفي صباح اليوم التالي، ومع سطوع الشمس وهبوب نسيم خفيف، يبدأ الجليد في التحرك ببطء، فيدفع معه الصخور فوق الطين الزلق لمسافات متفاوتة.

اللافت هنا أن متوسط هطول الأمطار السنوي في المنطقة هو فقط حوالي خمسة سنتيمترات، ورغم ذلك تلعب هذه الكمية الضئيلة دور البطولة في واحدة من أكثر مشاهد الطبيعة غرابة. وكما قال جيمس نوريس معلقاً: "من المذهل أن تكون هذه القوة التي تدفع الصخور عادة موجودة في المناخ القطبي البارد، لكنها هنا تعمل في واحد من أشد أماكن الأرض حرارة وجفافاً."

هذه التفاصيل تُعطي بعدًا جديدًا لفهمنا لدور الطقس والظروف المناخية غير المعتادة في تشكيل وجه الطبيعة، وتظهر لنا أن حتى الصحارى القاحلة تخبئ أسراراً مثيرة.


أحداث نادرة وأثر دائم

والآن، مع معرفة الآلية الدقيقة لتحرّك الصخور، صار واضحاً أن هذه الظاهرة نادرة للغاية. فالصخور لا تتحرك إلا دقائق معدودة كل بضع سنوات، وربما تمر عقود كاملة قبل أن تحدث الظروف المثلى: الماء، الجليد، والشمس مصحوبة برياح خفيفة. وبحسب العلماء، كل صخرة تحتاج لحظة "ذهبية" نادرة حتى تبدأ رحلتها القصيرة فوق الطين الطري، ولهذا لم يتمكن أحد، حتى الآن، من رصد الظاهرة بشكل حي إلا مرات قليلة جداً.

ذو صلة

ومن هنا نكتشف أن الصبر والملاحظة المستمرة جوهريان عند محاولة فهم الظواهر الطبيعية النادرة، حيث تكشف الطبيعة عن أسرارها لمن يمنحها الوقت والانتباه الكافيين.

ختاماً، نجح العلماء أخيراً في إنهاء ما كان يوماً أحد أعنف ألغاز الطبيعة الأمريكية. قصة الصخور المتحركة في وادي الموت تذكرنا دوماً كم لا يزال عالمنا يمتلئ بمشاهد تستحق التأمل، وقصصٍ لم تُكتب سطورها الأخيرة بعد. السر قد كُشف، لكن سحر المكان سيبقى يأسر الخيال، جامعاً بين قسوة المناخ وجمال الدهشة الأولى لدى كل زائر يقتفي أثر صخرة تركت خُطاها على الرمال.

ذو صلة