شراكة بين تسلا وسامسونج: خطوة استراتيجية تشعل سباق الرقائق الإلكترونية

4 د
تسلا وسامسونج تتفقان على شراكة بقيمة 16.
5 مليار دولار لتزويد الرقائق.
هذه الصفقة تعد الأكبر في تاريخ سامسونج للإنتاج المخصص.
تسلا تعتمد على رقائق AI6 من سامسونج لتحقيق القيادة الذاتية الكاملة.
سامسونج تعاني من تراجع حصتها بالسوق وتنقذها الصفقة.
التعاون يعزز علاقات سامسونج التقنية مع الولايات المتحدة وسط توترات ضريبية.
في خطوة تعد من الأكبر في تاريخ قطاع أشباه الموصلات، أعلن إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، عن إبرام صفقة هائلة مع عملاق التكنولوجيا الكوري سامسونج إلكترونيكس بقيمة 16.5 مليار دولار، بهدف تزويد تسلا برقائق متطورة حتى عام 2033. الصفقة لفتت الأنظار فور الإعلان عنها، ليس فقط لحجمها، بل لأنها تمثل أكبر عقد في تاريخ قطاع الإنتاج المخصص في سامسونج.
حين تدخل عالم السيارات الكهربائية، تدرك بسرعة أن المعركة لم تعد تدور فقط حول تصميم جذاب أو مدى القيادة، بل حول التحكم في عصب المعادلة الجديدة: الرقائق الإلكترونية. لهذا راهنت تسلا على الجيل المقبل من رقائق الذكاء الاصطناعي (AI6)، التي ستوكل سامسونج مهمة إنتاجها حصرياً في مصنعها الجديد بولاية تكساس. هذه الرقائق ستكون بمثابة الدماغ الذي سيوجه سيارات تسلا نحو القيادة الذاتية الكاملة، وربما يمتد إلى مشاريع روبوتات تسلا القادمة. ماسك شدد على أهمية الصفقة، مؤكداً أنها \"من الصعب المبالغة في قيمتها الاستراتيجية\"، بل وأوضح أن تسلا ستشارك بشكل مباشر في تحسين كفاءة عمليات التصنيع. هذا يعكس استعداد الشركتين للعمل كمنظومة واحدة لتحقيق أفضل النتائج.
اتساع إستراتيجية تسلا في عالم الرقائق
ما سبق يقودنا إلى فهم أوسع لاستراتيجية تسلا الجديدة بشأن الرقائق. فالشركة حتى الآن كانت تعتمد على معالجات ذات تصميم خاص تصنعها سامسونج (A14) لتشغيل منظومة القيادة الذاتية المتقدمة، في حين تتولى شركة TSMC التايوانية إنتاج الجيل المقبل (AI5) في مصانعها بكل من تايوان وأريزونا. لكن مع الجيل السادس الجديد (AI6)، تراهن تسلا على أن تبدأ سامسونج في إنتاج هذه الرقائق فائقة التطور بتقنية 2 نانومتر، وهي مستوى من التصغير والدقة غير مسبوق في تاريخ تسلا، ما يتيح سرعة وأداء أكبر لنظم الذكاء الاصطناعي. الجدير بالذكر هنا أن ماسك ألمح إلى إشرافه الشخصي على الإنتاج من تكساس، مبيناً أنه قريب جغرافياً من محل إقامته، في إشارة عملية إلى مدى أهمية هذا المشروع بالنسبة له. ويُتوقع أن يبدأ إنتاج هذه الرقائق المتطورة بعد عام 2026 مع دخول رقائق AI5 حيّز التصنيع.
بهذا الانتقال، يتضح كيف ترسم تسلا طموحاتها لتحقيق الريادة في تطوير الحوسبة الذكية للسيارات الكهربائية، مع توزيع المخاطر وتعدد مصادر التوريد، وهي خطوة تعزز مرونة الشركة في سوق يشهد نقصاً متكرراً في أشباه الموصلات.
صفقة إنقاذ لسامسونج ومنافسة محتدمة في السوق
ارتباط هذا التعاون الوثيق لا يقتصر على مكسب تسلا التقني فقط، بل يشكل شريان حياة لسامسونج نفسها التي تمر بفترة صعبة. فقد قدرت خسائر قطاع الإنتاج المخصص لديها بأكثر من 3.6 مليار دولار في النصف الأول من 2025، وسط سيطرة عملاق السوق TSMC بحصة تتجاوز 67% مقارنة بـ 7.7% لصالح سامسونج. لهذا جاء الاتفاق بمثابة ضخ دماء جديدة في عروق مصنع تكساس الذي عانى من قلة الزبائن. فور الإعلان عن الصفقة، ارتفعت أسهم سامسونج بنسبة تجاوزت 6%، لتشكل الصفقة قرابة 7.6% من الإيرادات المتوقعة للمجموعة في 2024. وهذا مثال حي على كيفية تداخل التحالفات التقنية مع المؤشرات المالية وتحفيز الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات الدقيقة.
بهذا السياق، تبرز أهمية صناعة الرقائق حيث تتقاطع اعتبارات السوق، ابتكارات التقنية، والمنافسة الآسيوية-الأمريكية على الريادة.
البُعد الجيوسياسي والمتطلبات التقنية العالية
بلغة الأرقام والدبلوماسية، يكتسي هذا التعاون أيضاً أهمية جيوسياسية واضحة: فالتوقيت يأتي بينما تسعى كوريا الجنوبية لتعزيز علاقاتها التقنية مع الولايات المتحدة في ظل تهديدات رسوم جمركية محتملة بنسبة 25%. اتفاق كهذا لا يعزز موقع سامسونج تجارياً فقط، بل يبعث برسالة ثقة عالمية في قدرتها على إنتاج تقنيات متقدمة كالشرائح الدقيقة ذات تقنية 2 نانومتر. ويرى خبراء الصناعة أن نجاح سامسونج في هذا العقد يمكن أن يجذب إليها المزيد من الشركاء الكبار على المدى القريب.
وهنا، تتقاطع التطورات الاقتصادية مع مصالح السياسات الدولية وصناعة الرقائق، وتعكس كيف أن تطور مركبة ذكية يمكن أن يوّحد مصالح عالمية.
تفاصيل السرية والتزامات التوريد طويلة الأمد
وختاماً، من اللافت أن سامسونج كانت قد أعلنت عن تفاصيل الصفقة الضخمة في إفصاحاتها التنظيمية دون الإفصاح عن هوية الشريك، التزاماً باتفاقية سرية تستمر حتى 2033. وهذا يوضح مدى حساسية عقود أشباه الموصلات في عصر تسابق الشركات على التقنية وكتمان التفاصيل الاستراتيجية لضمان ريادة تنافسية.
كل ذلك يعيد للأذهان كيف أن كلمة صغيرة أو عبارة ذات دلالة قوية يمكن أن تعطي خبراً ثقلاً إضافياً، فالتعمق أحياناً في المصطلحات التقنية أو التركيز على عامل المنافسة كفيل بجعل الرسالة أكثر وضوحاً وإقناعاً. ولعل استبدال كلمة "رقائق" أحياناً بمصطلح "أشباه الموصلات المتقدمة" يمنح النص بعداً متخصصاً أشد وقعاً على المتابعين العارفين بخبايا السوق.
في النهاية، تضعنا هذه الصفقة الضخمة في قلب صراع عالمي على التكنولوجيا والمعرفة والابتكار، حيث تتشابك مصالح الصناعة مع سباق المستقبل – ولا شك أن مزيداً من التعمق في الجانب الجيوسياسي أو إلقاء الضوء على تأثير ذلك في هيمنة تيسلا التقنية كان يمكن أن يعطي الخبر بعداً إضافياً من التحليل والربط.