ذكاء اصطناعي

شريحة عين متناهية الصغر تعيد الرؤية لمن فقدها… إنجاز علمي من ستانفورد

Abdelrahman Amr
Abdelrahman Amr

3 د

أعلن باحثون من ستانفورد عن شريحة تعيد البصر جزئيًا للمكفوفين.

الشريحة تساعد من يعانون من الضمور البقعي المرتبط بالعمر على القراءة.

النظارات الذكية تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتحفيز خلايا الشبكية.

يعتمد النظام على نظارات رقمية وشريحة لاسلكية مزروعة في العين.

ركز الباحثون على تحسين دقة الرؤية وقدرة المستخدمين على التمييز البصري.

في تطور طبي لافت قد يفتح باب الأمل لملايين من المصابين بفقدان البصر، أعلن باحثون من **جامعة ستانفورد** وزملاؤهم في مؤسسات دولية عن نجاح شريحة إلكترونية صغيرة تُزرع في مؤخرة العين، في استعادة القدرة على القراءة لدى أشخاص يعانون من **الضمور البقعي المرتبط بالتقدم في العمر**. فقد تمكّن ٢٧ من أصل ٣٢ مريضاً في التجربة السريرية من استعادة القدرة على قراءة النصوص خلال عام واحد من زرع الشريحة، وذلك بمساعدة نظارات ذكية متطورة تعمل بتقنيات **الأشعة تحت الحمراء**.

وهذا يقودنا إلى فهم تقنية هذا الابتكار وكيف أحدث هذا التحول في عالم طب العيون.


إنجاز علمي يغيّر مفاهيم علاج العمى


الشريحة التي تحمل اسم **"بريما" (PRIMA)** تُعد أول جهاز بصري اصطناعي يمنح مرضى العمى الوظيفي رؤية يمكن الاعتماد عليها، بعد أن كانت الأجهزة السابقة تقتصر على تمييز الضوء دون إدراك الأشكال. صُممت الشريحة في مختبر الفيزيائي والطبيب **دانييل بالانكر** بجامعة ستانفورد، وشاركه الإشراف **جوزيه ألان ساهيل** من جامعة بيتسبرغ، و**فرانك هولز** من جامعة بون الألمانية.
يقول بالانكر: «لم تحقق أي من المحاولات السابقة رؤية شكلية حقيقية، أما نحن فاستطعنا منح المرضى إدراكاً للأشكال والأنماط». وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة **نيو إنجلاند الطبية** في أكتوبر الماضي، محققة أصداءً كبيرة في الأوساط العلمية.

هذا النجاح التقني يطرح سؤالاً مهماً حول آلية عمل الجهاز وكيف يجمع بين الرؤية الطبيعية والرؤية الاصطناعية.


كيف تعمل منظومة “بريما”؟


يعتمد النظام على مكونين أساسيين: **نظارات رقمية مزوّدة بكاميرا صغيرة**، وشريحة لاسلكية مزروعة في شبكية العين. تلتقط الكاميرا الصور وترسلها على شكل **ضوء تحت أحمر** إلى الشريحة، التي تحول هذه البيانات إلى **إشارات كهربائية** تنشط الخلايا العصبية السليمة المتبقية في الشبكية، لتصل المعلومات إلى الدماغ. وهكذا تُستعاض عن مستقبلات الضوء التالفة في منطقة الرؤية المركزية، ما يعيد للمريض القدرة على تمييز الأشكال والحروف.
ويشير الباحث إلى أن فكرة هذا الجهاز وُلدت قبل نحو عشرين عاماً أثناء استخدامه الليزر لعلاج أمراض العين، قائلاً: «استغللنا شفافية العين ونقلنا المعلومات بالضوء بدلاً من الأسلاك».

وهذا يقود إلى دراسة حال المرضى الذين شاركوا في التجربة وكيف تكيفوا مع هذه التقنية الجديدة.


المرضى يستعيدون القراءة


شارك في الاختبار ٣٨ مريضاً فوق سن الستين يعانون من مراحل متقدمة من **الضمور الجغرافي للبقعة** — أحد أكثر أسباب العمى انتشاراً بين كبار السن حول العالم. وبعد أسابيع قليلة من زراعة الشريحة، بدأ المشتركين في تدريب بصري باستخدام النظارات.
تدريجياً، تطورت قدراتهم؛ بعضهم تمكن من قراءة لافتات ومحطات قطارات وملصقات أغذية، بينما سجل آخرون حدة بصر تضاهي 20/42 بفضل إمكانيات التكبير وضبط التباين في النظارات. ومع الممارسة اليومية، بلغ متوسط التحسن خمس درجات على لوح فحص النظر القياسي، وهو فارق سريري ملحوظ.

هذا التقدم لا يخلو من تحديات طبية، مما يدفع الباحثين إلى دراسة الجوانب الآمنة والطموحات المستقبلية للجهاز.


نحو رؤية أكثر وضوحاً في المستقبل


يُتيح تصميم «بريما» الجمع بين الرؤية الاصطناعية المركزية والرؤية الطبيعية المحيطية، ما يمنح المستخدمين إدراكاً أفضل للمسافات والاتجاهات. وتعتمد الشريحة على الطاقة الضوئية دون أي أسلاك، الأمر الذي يجعلها آمنة تماماً داخل العين.
وفي الوقت الراهن، تُظهر الصور بنسق **أبيض وأسود** فقط، لكن الفريق يعمل على تطوير برنامج يتيح رؤية بتدرجات رمادية، وهو شرط أساسي لتحسين **تمييز الوجوه**، أحد أهم مطالب المرضى. كما يُطوّر الباحثون نسخة جديدة من الشريحة تضم أكثر من عشرة آلاف بكسل صغير لتحسين التفاصيل والوصول ربما إلى **حدة بصر 20/80**، بينما يُنتظر أن تعزز خاصية التكبير الإلكتروني الدقة لتقترب من **الرؤية الطبيعية (20/20)**.

من هنا يبدو جلياً أن مشروع «بريما» لا يقف عند استعادة البصر فحسب، بل يفتح آفاقاً لثورة في **واجهات الأعصاب البصرية**.

ذو صلة

خاتمة


يمثل هذا الإنجاز ثمرة عقود من البحث في **التحفيز الكهروضوئي** و**الذكاء البصري الاصطناعي**، ويمنح الأمل لملايين ممن فقدوا بصرهم بسبب أمراض الشبكية المزمنة. وإذا واصل الباحثون تحسين الدقة اللونية وزيادة عدد البكسلات، فقد نكون على أعتاب زمن تستعيد فيه التكنولوجيا ما فقدته العين بالشيخوخة والزمن—فيتحول الحلم القديم برؤية النور مجدداً إلى واقع ملموس.

ذو صلة