ذكاء اصطناعي

صور الرنين المغناطيسي تكشف حقيقة مشاعر الكلاب تجاه أصحابها

محمد كمال
محمد كمال

4 د

استخدم الطبيب غريغوري بيرنز تقنية الرنين المغناطيسي لدراسة دماغ الكلاب.

وجد البحث أن الكلاب تظهر مشاعر حقيقية لأصحابها تتجاوز مجرد الاهتمام بالطعام.

أظهرت بعض الكلاب تفضيلاً للمديح على الغذاء، مما يعكس روابط عاطفية عميقة.

تُستخدم الفحوصات في تحديد الكلاب المناسبة لخدمات الدعم وتقليل النفقات.

البحث يعزز التفكير في معاملة الحيوانات وحقوقها في مختلف السياقات.

قد تسأل نفسك أحياناً: هل حب كلبي لي حقيقي أم أنه مجرد تعلق بمن يقدم له الطعام؟ يبدو أن للعلم اليوم إجابة مثيرة تشعرك بالدفء تجاه صديقك الوفي ذو الأربعة أرجل. من مختبراته في جامعة إيموري بأتلانتا، استخدم الطبيب والأستاذ في علم الأعصاب غريغوري بيرنز تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لسبر أغوار أدمغة الكلاب، محاولاً حل هذا اللغز الشائع بين أصحاب الحيوانات الأليفة. في كتابه الجديد "كيف يكون الشعور أن تكون كلباً"، يسلط بيرنز الضوء على مشاعر الكلاب الحقيقية تجاه البشر، كاشفاً أن الأمر يتجاوز بكثير طعم النقانق!


من فكرة جريئة إلى مختبر منزلي

انطلقت شرارة هذه الدراسة عندما تابع الدكتور بيرنز قصة الكلب "كايرو" الذي رافق وحدة النخبة في الجيش الأمريكي خلال عملية قتل أسامة بن لادن، متحدياً ضجيج المروحيات الذي يعتبر صعب الاحتمال لآذان الكلاب الحساسة. عندها خطرت لبيرنز فكرة: إذا كان بالإمكان تدريب الكلاب على تحمل هذه الأصوات، فلمَ لا تُدرَّب على تحمل ضجيج جهاز الرنين المغناطيسي؟ وبهذا التصور، بدأ مشروعه الممتد، خاصة بعد وفاة كلبه المفضل "نيوتن"، حيث أراد الإجابة عن سؤال لطالما شغل باله: هل كان حبه متبادلاً أم أن العلاقة مبنية فقط على الطعام؟

وهذا يربط بين البداية العاطفية للمشروع والدافع العلمي لاكتشاف ما يدور داخل عقول الحيوانات الأليفة التي ترافقنا في أكثر أوقات حياتنا خصوصية.


التدريب الدقيق: من الضوضاء إلى الثبات

لم تكن المهمة سهلة بالطبع، فكان لا بد من تدريب الكلاب على الدخول إلى آلة الرنين المغناطيسي والجلوس بهدوء تام لفترة طويلة، وهو أمر يصعب حتى على البشر! استعان بيرنز بمدرب كلاب محترف، وقام بتصميم نموذج لجهاز التصوير في قبو منزله لكي يتعود كلب العائلة الجديد "كالي" على الزحام والض noise، وصعد السلالم الصغيرة، بل وجلست رأسها مستندة دون حركة. وبعد ثلاثة أشهر من التدريب الدؤوب يوميًا، كان "كالي" جاهزًا لخوض غمار التجربة الحقيقية، ليصبح أول كلب في العالم يتم تصوير دماغه في حالة يقظة وطوعية بالكامل، دون تقيد أو تهدئة أو تدخل أدوية.

وبهذه التجربة الفريدة بدأت سلسلة اختبارات موسعة وصلت إلى نحو تسعين كلباً حتى اليوم، جميعهم تطوعوا من أصحابهم دون أي إكراه أو إجبار.


الكلاب والحب: هل هو للطعام أم لصاحبه؟

وصلنا إلى لب التساؤل الذي يؤرق قلوب محبي الكلاب: هل الشغف الذي تبدونه لنا حقيقي أم مرتبط بوجبة لذيذة فقط؟ في إحدى التجارب، تلقى بعض الكلاب النقانق الشهية فيما حصل البعض الآخر على المديح والرعاية فقط، بينما تم قياس نشاط مركز المكافآت في أدمغتها. العجيب أن معظم الكلاب أبدت استجابة متساوية تقريبًا للطعام والمديح، لكن حوالي خُمس الكلاب أظهرت تفضيلاً واضحًا للمديح على الطعام، ما يؤكد أن الروابط بين الكلاب والناس أمتن من مجرد علاقة طعام.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد كشفت صور الرنين أن الكلاب ذات مناطق متخصصة في الدماغ لتمييز الوجوه وتفاعلات البشر، وكأنها "مخلوقة" بالفطرة لمراقبتنا وفهم مشاعرنا. وهنا يتعزز شعورنا بأن الصداقة بين الكلب والإنسان غريزية وعميقة، وليست فقط مكتسبة عبر العشرة.


من المختبر إلى الحياة اليومية: تدريب كلاب الخدمة وكشف مشاكل السلوك

هذا الاكتشاف العلمي لم يبقَ حبيس الأوراق، بل أصبح أداة عملية في اختيار أفضل الجراء للانضمام إلى فرق كلاب الخدمة. فمؤسسات مثل "كانين كومبانيونز فور إندبندنس" استخدمت الفحوصات لتحديد أكثر الكلاب قابلية للتدريب، وذلك عبر قياس نشاط القشرة الدماغية والمناطق المرتبطة بالمكافأة والارتياح وانخفاض معدل القلق. هكذا، توفر الفحوصات مبالغ ضخمة كانت تهدر على تدريب كلاب غير مناسبة لهذه المهام، مما يمنح أصحاب الهمم والشخصيات الخاصة حيوانات مساعدة أكثر كفاءة وألفة.

وربطًا بتأثير أبحاث الدماغ الحيواني على رفاهية الحيوانات عامةً، بدأت بعض مراكز الإيواء والإنقاذ في الاستفادة من التقنيات نفسها لفهم أسباب السلوك العدواني عند الكلاب، ومحاولة معالجة مشكلاتهم سلوكيًا بدلاً من اللجوء السريع للقتل الرحيم.


الدروس من البحر: تشابه أمراض الدماغ بين الإنسان والحيوان

ومن قلب البحر انتقلت تجارب بيرنز إلى الأسود البحرية على سواحل كاليفورنيا، والتي عانت مؤخرًا من نوبات واختلال في السلوك بسبب تلف في منطقة الحُصين من الدماغ، وهي منطقة مرتبطة بالذاكرة والهوياتية لدى الإنسان أيضًا. بينت الدراسات أن الأمراض العصبية، كصرع الفص الصدغي لدى الإنسان، تتشابه بشكل مذهل مع ما يصيب هذه الكائنات، في إشارة لوجود وعي ومعاناة قد لا نلاحظها لكنها حقيقية فعلًا في عالم الحيوان.

هذا الاطلاع على وحدة العمليات العصبية بين البشر والكائنات الأخرى يقودنا للتساؤل عن أخلاقيات تربية ومعاملة الحيوانات، سواء في مزارع الإنتاج المكثف أو في البيوت والملاجئ.


نظرة أعمق: مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه أصدقائنا غير البشر

ذو صلة

كل هذه البحوث دفعت الدكتور بيرنز للتساؤل العميق حول الطرق التي نعالج ونتعامل بها مع الحيوانات في مختلف مناحي الحياة، لا سيما الحيوانات التي تكرس حياتها في خدمة الإنسان أو تُربى لأهداف الاستهلاك. إذا كانت الكلاب والعديد من الكائنات تشاركنا مشاعر الارتباط والعاطفة، فمن الواجب علينا النظر بجدية أكبر في رفاهيتها وحقوقها، وربما تغيير بعض الممارسات السائدة لتحقيق قدر أكبر من التعاطف والرحمة.

في الخلاصة، يكشف العلم اليوم عبر الرنين المغناطيسي أن قلوب الكلاب ليست فقط ترفرف من أجل طعام لذيذ بل هي متعلقة حقًا بنا نحن البشر، وتبدي مشاعر وذكاء يعكس تشابهًا مذهلًا مع دواخلنا الإنسانية، مانحةً للصداقة مع الكلاب بُعدًا جديدًا يستحق التأمل والرعاية المسؤولة.

ذو صلة