ذكاء اصطناعي

ضوضاء غامضة تصدر من أعماق المحيط الهادئ منذ 46 عامًا… والعلماء يكشفون السر أخيرًا!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

استمر الصوت الغامض في المحيط الهادئ منذ عام 1979، مصدره تجربة تعدين بحرية.

تُركت معدات التعدين آثارًا واضحة وذُبذبات طويلة الأمد أثرت بيئيًا.

كائنات بحرية عديدة اختفت بعد التجربة، ولم يتعافَ النظام البيئي بالكامل.

يذكّرنا الاكتشاف بتأثيرات التعدين واسعة النطاق وأهمية توازن المحيطات الدقيق.

لأكثر من أربعة عقود، دوّى في أعماق المحيط الهادئ صوت غامض أربك العلماء وأثار فضول خبراء المحيطات حول العالم. لم يكن يشبه أي صوت طبيعي أو صناعي معروف، واستمر يتردد في منطقة نائية من أعماق البحر كما لو كان لغزًا من التاريخ ينتظر الحل.

يتضح الآن، بعد سنوات طويلة من البحث والتحليل، أن هذا الصدى المتكرر ليس سوى أثر باقٍ لتجربة بشرية أُجريت منذ عام 1979؛ تجربة تتعلق بالتعدين في أعماق البحار. هذه الخلاصة دفعت العلماء إلى إعادة التفكير في مدى عمق بصمتنا البشرية على الكوكب، حتى في أكثر أماكنه عزلة.


تجربة نُسيت وبصمة باقية


بدأت القصة في منطقة تُعرف بـ«كلاريون – كليبرتون» (Clarion‑Clipperton Zone) في قلب المحيط الهادئ. وهي مساحة شاسعة غنية بالعُقيدات المعدنية التي تحتوي على النيكل والنحاس والمنغنيز والكوبلت، ما جعلها هدفًا للتجارب الأولى في مجال استخراج معادن أعماق البحار. عام 1979، نفّذ فريق من الباحثين تجربة محدودة لتجريف قاع البحر، مستخدمين آلات ضخمة لاختبار إمكانية التعدين التجاري في المستقبل. بعد انتهاء الاختبار، رُفِعت الآلات، لكن شيئًا لم يختفِ تمامًا—لا آثار الجرافات ولا الصوت الذي استمر بلا تفسير لعقود.

وهذا يربط بين تلك التجربة القديمة وما اكتشفه باحثو مركز العلوم البحرية البريطاني الذين أعلنوا مؤخرًا أن الذبذبات المتبقية من حركة المعدات، واهتزاز الرواسب العميقة، هي التي شكّلت ذلك الصوت الغامض الذي حيّر العالم منذ السبعينيات.


جروح لم تلتئم في قاع البحر


قال الدكتور أدريان غلوفر، أحد القائمين على الدراسة المنشورة في مجلة *نيتشر*: “الندوب التي خلّفتها آلات التعدين قبل 44 عامًا تبدو وكأنها حُفرت بالأمس”. فالصور الملتقطة حديثًا أظهرت أخاديد واضحة في القاع، كما أن المجسات لا تزال ترصد صدى الاهتزازات القديمة نفسها. ومن المدهش أن تلك الاختبارات التي استمرت أيامًا قليلة فقط تركت أثرًا بيئيًا أطول من عمر جيل كامل.

وهذا يعيدنا إلى الجانب البيئي للقصة: فالكثير من الكائنات التي كانت تعيش في المنطقة اختفت بعد التجربة مباشرة. أنواع دقيقة وحيوانات رخوة مثل *الزينوفيورات* عادت بأعداد محدودة، لكن النظام البيئي لم يتعافَ تمامًا.


تحذير من المستقبل


اليوم، يعود الحديث عن تلك المنطقة من جديد مع تصاعد الاهتمام باستخراج المعادن اللازمة لصناعة البطاريات وتقنيات الطاقة النظيفة. غير أن هذا الاكتشاف الجديد يثير مخاوف مشروعة: إذا كانت تجربة واحدة صغيرة قد تركت صدى سمعيًا وبيئيًا استمر نصف قرن، فكيف سيكون أثر التعدين الصناعي واسع النطاق؟

ذو صلة

ويؤكد الباحثون أن التأثيرات غير المرئية، مثل الموجات الصوتية الطويلة الأمد وتغيّر تركيب الرواسب، تذكّرنا بأن أعماق المحيط ليست مساحة خالية، بل نظام بيئي حساس يعيش على توازن دقيق.

في النهاية، يكشف هذا البحث أن أعماق المحيط ما زالت تحمل قصصًا لم تُروَ بعد. فبينما يستعد العالم لمرحلة جديدة من استغلال موارده المعدنية، يقدم لنا صدى العام 1979 درسًا صريحًا: بأن صوت التاريخ في المحيط يمكن أن يستمر في التذكير بنا لعقود طويلة بعد رحيلنا.

ذو صلة