عشرين ذراعًا ومظهر فراولي: اكتشاف غريب في أعماق المحيط المتجمد

4 د
أُكتشفت نجمة الفراولة الريشية في أعماق القارة القطبية الجنوبية بمظهرها الفريد وأذرعها العشرين.
قاد الأستاذ روس بحثًا كشف عن هذا المخلوق أثناء بعثة استكشافية قرب القارة القطبية.
يُعتقد أن الكائن الجديد سيعيد تصنيف الريشيات القطبية في بحوث الكائنات البحرية.
قام الفريق برصد وتوثيق عدة أنواع جديدة، مما يوسع قائمة الريشيات القطبية المكتشفة.
في أعماق المياه القطبية الجنوبية، حيث البرودة القارسة والعتمة الدائمة، نجح فريق بحثي من علماء الأحياء البحرية في كشف أسرار كائن جديد مدهش من عجائب المحيطات. هذا الكائن البحري الذي سُمي بـ"نجمة الفراولة الريشية القطبية الجنوبية" أو Promachocrinus fragarius، أدهش العلماء بسبب مظهره الفريد و"أذرعه" العشرين التي تتماوج كريش الطيور، فضلًا عن تسميته المستوحاة من ثمرة الفراولة.
يأتي هذا الاكتشاف نتيجة أبحاث قادها الأستاذ غريغ روس من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وترتكز على بعثة استكشافية قام بها فريق مشترك من أستراليا والولايات المتحدة. عند جر الشباك عبر أعماق المحيط الجنوبي قرب القارة القطبية الجنوبية، وبينما كانوا ينقبون عن مخلوقات بحرية غريبة، صادفهم هذا الكائن الاستثنائي. فما أن تأملوا تفاصيله الدقيقة حتى لاحظوا أن الجزء الصغير المركزي، الذي تتوزع منه الأذرع الطويلة، يشبه إلى حد بعيد شكل وحجم حبة الفراولة، رغم أن أول نظرة للكائن توحي بأنه مخلوق "فضائي" بلون فاتح وهيئة مخيفة بعض الشيء. هكذا نشأ اسمه العلمي، إذ استُقت كلمة fragarius من اللاتينية التي تعني "الفراولة".
التركيبة غير المألوفة نجمة الفراولة الريشية تشبه العجائب عندما ننظر إلى تكوينها: يحمل جسدها الصغير عشرين ما يشبه الأذرع ينقسم بعضها ليصبح "ريشياً" وبعضها الآخر يبدو متدرنًا. وتنتشر أسفل الجسد البارز زوائد أشبه بالخيوط القصيرة تُسمى "سِيْرِيّ"، والتي أزالها الباحثون جزئيًا لعرض نقاط التعلق، مما أبرز أوضح صورة لجذع الكائن بشكل فاكهة الفراولة. تحمل هذه الزوائد الصغيرة مخالب تمكنها من التشبث بقاع البحر والمساهمة في التوازن، بينما تظل الأذرع الطويلة شبه الشفافة ممددة للأعلى، تساعد الكائن على الحركة والسباحة بسهولة بين تيارات المياه المتجمدة.
وانطلاقًا من وصف هذا المشهد، نجد أن الهيكل الريشي والأذرع العشرين أكسبا الكائن مكانة مميزة في تصنيف الريشيّات أو crinoidea، وهي فئة الكائنات التي تضم نجم البحر، قنافذ البحر، وخيار البحر. وبحسب ما يشرح الأستاذ روس، فإن معظم أفراد هذه العائلة يملكون عشرة أذرع فقط، لكن هذا النوع الجديد يتفرد بعشرين ذراعًا تجعله عرضة للاهتمام من قبل علماء الشعاب المرجانية والكائنات النادرة بالبحار.
توسع التصنيف واكتشافات جديدة ومن هنا يتعمق الإنجاز؛ إذ جلب الفريق فرصًا لإعادة رسم تصنيف الريشيات القطبية. بعد سنوات من تصنيف نوع واحد فقط - يدعى Promachocrinus kerguelensis - كشفت حملات الصيد المنهجي عبر المحيط الجنوبي عن أربعة أنواع جديدة كلها تندرج تحت المجموعة نفسها، بينها نجمة الفراولة، ليرتفع بذلك عدد الأنواع المصنفة إلى ثمانية. هذا الاكتشاف يعني أن عائلة نجوم الريش القطبية لم تعد محصورة في نوع وحيد، بل صارت تضم ستة أنواع ذات عشرين ذراعًا ونوعين آخرين بعشرة أذرع. ووجد الباحثون هذه الكائنات على أعماق تتراوح بين 65 إلى أكثر من ألف ومئة متر (215 إلى 3840 قدمًا) في قاع المحيط الجنوبي.
وهذا التعمق العلمي يربط بين جهود البحث المتواصلة والطموح لفهم تنوع الحياة البحرية حول أنتاركتيكا، خاصة أن الكائن الجديد يحمل في حركته وصف العلماء بأنه يمتلك “مظهرًا آخر عالميًا” أثناء السباحة، مما يسهم في كشف جوانب مجهولة من التكيفات البيولوجية لهذه الكائنات.
تحديات التسمية وتصنيف الكائنات الجديدة يعتقد البعض أن العثور على أنواع جديدة هو أمر استثنائي لا يتكرر كثيرًا، لكن حسب ما يشير إليه الأستاذ روس، فإن مختبره في معهد سكريبس لعلوم المحيطات يسجل بين عشرة وخمسة عشر نوعًا جديدًا سنويًا فقط في مجاله. التحدي الأبرز لا يكمن في العثور على المخلوقات الغامضة، بل في الوقت والجهد الكبيرين المبذولين لتصنيفها رسميًا وتسمية كل نوع توصلت إليه الأبحاث.
وخلاصة القول، فإن اكتشاف نجمة الفراولة الريشية القطبية يختصر لنا روح المغامرة في أبحاث علوم المحيطات ويدفعنا لإعادة النظر في غنى الأعماق البحرية وما تخبئه من مفاجآت. ولكي يكون النص أكثر تكاملًا ودقة، ربما كان من الأفضل تعزيز المحور الخاص ببيئة هذه الكائنات بإضافة جملة تربط مباشرة بين صلابة ظروف المحيط الجنوبي وقدرة هذه المخلوقات على التكيف، أو استخدام تعبير “توزع زمني جديد” بديلًا عن “توسع التصنيف” لإضفاء إيحاء أكثر ديناميكية. وما بين إثارة الاكتشاف ودقة الكلمات، يبقى عالم البحار أغنى وأعمق كلما توغلنا في تفاصيله الخفية.