علماء يبتكرون أول جهاز كشف كذب كمي بدقة تفوق التوقعات!

3 د
نجح فريق دولي من العلماء في تطوير "كاشف الكذب الكمومي".
يعتمد الجهاز على اختبار بيل لتحديد الأنظمة الكمومية الحقيقية.
حقق الباحثون تجربة ناجحة على معالج كمومي فائق التوصيل يتضمن ٧٣ كيوبت.
أثبتت التجربة إمكانية إثبات السلوك الكمومي في أنظمة معقدة وكبيرة.
يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة في الاتصالات الكمومية والتشفير الآمن.
هل يمكن فعلاً التحقق من أن نظاماً كمومياً ضخماً يتصرف طبقاً لقوانين ميكانيكا الكم الغريبة كما نعرفها، أم أنه يخدعنا بمظهرٍ يشبهها فقط؟ في دراسة رائدة، نجح فريق دولي من العلماء في لايدن وبكين وهانغتشو في الإجابة عن هذا السؤال عبر ما أُطلق عليه “كاشف الكذب الكمومي”.
هذا الكشف الجديد قائم على **اختبار بيل** الذي وضعه الفيزيائي الشهير جون بيل، وهو أداة نظرية وتطبيقية تُظهر ما إذا كانت الآلة – كحاسوب كمومي مثلاً – تُنتج فعلاً ظواهر كمومية أم أنها تقلدها دون جوهرها الحقيقي. ومع نضوج التكنولوجيا الكمومية، تزداد الحاجة إلى اختبارات أشد دقة، وهذا بالضبط ما حققه الباحثون هذه المرة حين وسّعوا التجربة إلى أنظمة تضم **٧٣ كيوبِت**، لبنات البناء الأساسية في الحوسبة الكمومية.
وهنا تبرز قوة التعاون العلمي: فقد شارك في المشروع فيزيائيون نظريون من جامعة لايدن الهولندية مثل جوردي تورا وباتريك إيمونتس والباحثة مينغياو هو، إلى جانب زملائهم من جامعة تسينغهوا في بكين والعلماء التجريبيين في جامعة تشيجيانغ بمدينة هانغتشو، ما جعل التجربة ذات بعد دولي واسع.
ميكانيكا الكم: عالم يفوق حدّ الخيال
ميكانيكا الكم تفسّر سلوك الجزيئات الدقيقة مثل الذرات والإلكترونات. في هذا العالم اللامتناهي الصِغَر تظهر ظواهر تخرق بداهات الفيزياء الكلاسيكية، كـ **الترابط الكمومي** أو “اللامحلية” حيث يبدو أن الجسيمات تؤثر في بعضها فوراً رغم التباعد. هذه الفكرة الغريبة نالت جائزة نوبل في الفيزياء عام ٢٠٢٢، والدراسة الحالية أعادت اختبارها عبر رصد ما يُعرف بـ **الارتباطات البِيلّية**.
وانطلاقاً من تلك الظاهرة انتقل الفريق إلى التطبيق التجريبي الأجرأ حتى الآن.
تجربة ذكية بتقنية القطب الفائق
اختار العلماء أن يستعيضوا عن القياس المباشر للارتباطات المعقدة بالتركيز على ما تتقنه الأجهزة الكمومية أصلاً: **خفض الطاقة إلى أدنى حد ممكن**. استخدموا معالجاً كمومياً فائق التوصيل لتوليد حالة خاصة من ٧٣ كيوبت، وسجّلوا قيماً للطاقة أقل كثيراً مما يمكن أن تمنحه أي منظومة كلاسيكية. الفارق كان مذهلاً – يعادل ٤٨ انحرافاً معيارياً – ما يعني أن احتمال الصدفة يكاد يكون صفراً.
وهذا يربط النتيجة الطموحة بمستوى جديد من التدقيق العلمي؛ إذ واصل الباحثون المسار حتى تمكنوا من إثبات وجود **ارتباطات بيل متعددة الأطراف حقيقية** حيث تشارك جميع الكيوبتات في الظاهرة دفعة واحدة، وهي من أصعب الحالات توليداً وتحقّقاً. سجل الفريق نجاحاً في حالات وصلت حتى ٢٤ كيوبت، ما يعدّ رقماً قياسياً في هذا المجال.
لماذا يُعدّ الأمر مهماً؟
تبيّن هذه التجربة أن من الممكن **إثبات السلوك الكمومي الأصيل في أنظمة كبيرة ومعقدة**، وهو ما لم يتحقق بهذا النطاق من قبل. ومع توسّع أحجام الحواسيب الكمومية، لم يعد التحدي فقط في زيادة عدد الكيوبتات، بل في ضمان أصالتها الكمومية. النتيجة تفتح آفاقاً لتطوير **الاتصالات الكمومية** و**التشفير الآمن** وابتكار **خوارزميات كمومية** أكثر كفاءة.
وبهذا الاكتشاف الجديد، يؤكد العلماء أن مستقبل الحوسبة الكمومية لا يقتصر على النمو في الحجم، بل يتجه نحو إتقان الروح الحقيقية للكم، حيث يتحول ما كان بالأمس نظرية غامضة إلى واقع قابل للقياس والإثبات.