علماء يبتكرون جسيم ضوئي يتحرك في 37 بعداً في آن واحد: قفزة مذهلة في عالم الكم

3 د
ابتكر العلماء جسيمًا ضوئيًا يمكنه الوجود في 37 بعدًا مختلفًا في آن واحد.
قبلت التجربة معادلات رياضية كموحِّدة للسلوك الكمي، مثل "1 = -1".
تفتح هذه الأبحاث الباب لتطبيقات في الحوسبة الكمومية والاتصالات الفائقة.
يعتبر هذا الاكتشاف خطوة نحو استخدامات مستقبلية في الأمن الرقمي وتقنيات التواصل.
تشير النتائج إلى إمكانية تغيير المفاهيم التقليدية عن الفيزياء والواقع الكمومي.
تخيل معي أن جسيمًا من الضوء يمكنه أن يوجد في 37 بعدًا مختلفًا في الوقت ذاته! هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي جديد، بل هو أحدث ما توصل إليه فريق دولي من العلماء في قفزة نوعية بعلم الفيزياء الكمومية. فمن المختبرات المتخصصة أتى كشف قد يغير مفاهيمنا عن أبعاد الواقع والمادة والطاقة، ويمنحنا نافذة نطل منها على عوالم لم نحسب لها حسابًا من قبل.
لطالما كانت العلوم الفيزيائية تجذب المهتمين بظواهر الكون الغريبة، لكن ما يحدث على المستوى الذري وتحت الذري لا يتوقف عن إدهاشنا؛ إذ يعترف العلماء أن عالم الكم مليء بالأسرار التي تتحدى المنطق الكلاسيكي. خذ على سبيل المثال ظاهرة "التشابك الكمي"، حيث تؤثر حالة جسيم على جسيم آخر مهما ابتعد عنه، في تصرّف أزعج اينشتاين ذاته وجعله يصفه بـ"الفعل الشبحي عن بُعد". مثل هذه الظواهر تظهر إلى أي مدى تختلف القوانين الكلاسيكية عن تلك التي تحكم العوالم المجهرية.
تجربة تضيء حدود الفيزياء الكلاسيكية
في سياق البحث المستمر عن حدود التفسير الكلاسيكي للطبيعة، أجرى الفريق العلمي تجربة فريدة لاختبار ما يُعرف بمفارقة "غرينبرغر-هورن-زيلينغر" (GHZ)، وهي معضلة شهيرة في الفيزياء تبيّن استحالة وصف سلوك الكم بالأفكار التقليدية حول السببية والتأثير المكاني القريب. الغريب في التجربة الجديدة أن العلماء اختبروا القدرة على رفع عدد الأبعاد التي ينتمي إليها جسيم الضوء (الفوتون) إلى 37 بدلاً من الأبعاد الثلاثة المعتادة (الطول، العرض، الارتفاع) مع إضافة الزمن كبعد رابع. ظل العلماء منذ قرن يظنون أن ظاهرة الكم ستبقى محدودة بــــ 2 أو 3 أبعاد، لكن النتيجة تقول إننا فقط بدأنا نكتشف "رأس جبل الجليد" في عالم الكم.
وهذا يوصلنا لاتساع الفجوة بين العالم الكلاسيكي الذي نعيشه، والعالم الكمومي الذي لا يكف عن مفاجأتنا.
الخروج عن المنطق: معادلات "1 = -1" وتجسيد الأبعاد العديدة
ما يميز تجربة العلماء، أنهم استطاعوا عملياً تصنيع فوتونات ضوئية تتم برمجتها بحيث توجد في جميع هذه الأبعاد دفعة واحدة، مستخدمين أشعة ليزر دقيقة وتلاعباً محسوباً بطول الموجة واللون. في الحاصل، ظهرت نتائج رياضية صادمة، أحدها برهنة معادلات من نوع (واحد يساوي سالب واحد)، وهو أمر لا يقبله منطق الرياضيات اليومية، لكنه ضروري لإثبات تفرّد السلوك الكمي.
انطلاقًا من هذا الإنجاز، بات في متناول الباحثين أدوات جديدة لاستكشاف مدى "غرابة" الفيزياء الكمومية، وبناء بنى معقدة من الحوسبة الفائقة والاتصالات الكمية عبر أبعاد تفوق ما حلمت به الفيزياء التقليدية. هذه الخطوة تفتح الباب على مصراعيه لاستخدامات مستقبلية في الأمن الرقمي وتقنيات الاتصالات فائقة القدرة.
وهذه النقطة تبدو وكأنها ممر عبور لجيل جديد من الأبحاث في تكنولوجيا الكم والذكاء الاصطناعي.
تطبيقات مستقبلية: إلى أين يمكن أن يأخذنا الكم متعدد الأبعاد؟
يقدّر الفيزيائيون أن الإمكانات الكامنة لتجارب مثل هذه تتجاوز مجرد إثبات مبدأ فيزيائي غريب؛ إذ يمكن توظيف الأبعاد الكمية المتعددة في تصميم حواسيب كمومية تتعامل مع معلومات ضخمة ومعقدة، وفي ابتكار شبكات اتصالات معصومة تقريبًا من الاختراق الإلكتروني بفضل خواص التشابك واللا محلية. أحد العلماء المشاركين في البحث أوضح أن ما اكتشفناه حتى الآن قد يكون "مجرد طرف جبل الجليد" في عالم الكم الغامض.
وهكذا، تبدو هذه النتائج بمثابة دعوة لاكتشاف المزيد من الحقائق العجيبة والموارد غير المحدودة التي قد تغير وجه التكنولوجيا العلمية والعملية في المستقبل القريب. فعسى أن نرى قريبًا مصطلحات مثل "الأبعاد المتعددة" ليست مجرد جزء من أفلام الخيال العلمي، بل من حياتنا الرقمية واليومية.
في الختام، من المثير أن نلاحظ كيف تساهم مفاهيم كمومية متقدمة مثل الأبعاد السبعة والثلاثين في إعادة رسم وحدات المعرفة الإنسانية عن الكون. ولعل الأفضل أن نستخدم تعبير "جسيم ضوئي متعدد الأبعاد" أو "الفوتون المتعدد الأبعاد" لزيادة الترابط المفهومي، وأن نخصّص مزيداً من الشرح المقارن كلما تم الإشارة إلى مصطلحات تقنية مثل التشابك الكمي أو اللا محلية. بهذه الطريقة، نجعل مادة الكم المشوّقة أقرب وأكثر وضوحًا لكل مهتم ومتابع للعلم.