ذكاء اصطناعي

عندما تغني الثقوب السوداء: العلماء يفكون شيفرة نغمات الكون الخفية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشف باحثو جامعة كيوتو عن تفاصيل "رنّة" الثقوب السوداء باستخدام طريقة WKB الدقيقة.

الثقوب السوداء ليست صامتة بل تضج بأصوات كونية تنتظر من يصغي إليها.

تقنية WKB أبرزت منحنيات "ستوكس"، كاشفة عن تذبذبات الثقوب السوداء.

البحث يفتح آفاقًا لفهم عميق لبنية الثقوب السوداء واندماجها.

ترتبط النتائج بالملاحظات العملية، مما يسهم في فك شفرة الكون المجهول.

لطالما اعتبرت الثقوب السوداء تلك الكائنات الغامضة الصامتة في أعماق الفضاء، لكن يبدو أن أشباح الكون هذه تخفي جوقة موسيقية لا يسمعها سوى العلماء الحاذقين. كشف باحثو جامعة كيوتو عن تفاصيل مذهلة حول "رنّة" الثقوب السوداء، بعدما استخدموا تقنية رياضية متقدمة تسمى طريقة WKB الدقيقة، ليكتشفوا أن الكون ليس بالهدوء الذي نتصوره – بل يضجّ بنبضات كونية تنتظر من يصغي إليها.

تخيل أن ثقبًا أسود تعرّض لصدمة أو اندمج مع آخر، ماذا يحدث؟ تتوالى موجات اهتزازية كأنها طرقات على جرس ضخم، وهي ما يُعرف بـ"الوضعيات شبه العادية" أو quasinormal modes. تنتشر هذه الإشارات الغامضة في الزمكان وتصل طفيفة إلى أجهزة الأرض المتطورة مثل ليغو (LIGO) وفيرغو (VIRGO)، لكن تحليلها وفهمها ظل تحديًا طويل الأمد للعلماء. هنا برز دور فريق كيوتو، حيث استطاعوا عبر منهجهم الدقيق استخراج أنماط لم تُلاحظ منذ عقود، واضعين بذلك حجر الأساس لفهم أكثر عمقًا لبنية الثقوب السوداء وما تحمله من أسرار.

العثور على "أنغام" جديدة داخل الجاذبية
تنطلق أهمية هذا الإنجاز من طريقة التحليل الرياضي التي اعتمدها الباحثون، إذ استخدموا نظرية WKB الدقيقة، وهي تقنية رياضية لطالما استُخدمت في علوم الرياضيات البحتة، لكنها قليلة الظهور في عالم الفيزياء الفلكية. بتوظيف هذه الطريقة، انتقل الفريق إلى مساحة الأعداد المركبة، فظهر أمامهم ما يُشبه منحنيات متداخلة تدعى منحنيات "ستوكس"، وهي نقاط يغير فيها الموج فجأة طبيعته، كاشفة عن عمق وشكل تذبذبات الثقوب السوداء. وبهذا الربط بين العالمين الرياضي والفلكي، بدأ العلماء يلمسون نسيج الزمكان من منظار جديد.

ولعل الروعة تكمن في أن هذه "النغمات" المنسية، وهي الحالات الاهتزازية التي تتلاشى سريعًا وتُضعف إشاراتها، قد عجزت السبل التقليدية عن رصدها أو تعقبها بدقة. الآن، ومع الحسابات الأكثر شمولًا، أصبح بالإمكان بناء نماذج تتوقع كل تردد ونبرة تهتز بها الثقوب السوداء، ما سيعزز قدرة أجهزة رصد موجات الجاذبية على فك شفرة أحداث اندماج الثقوب السوداء أو حتى سقوط النجوم داخلها. وهذا ينقلنا بسلاسة إلى نتائج أعمق تتعلق بقياس خواص مثل الكتلة والدوران والشكل بدقة غير مسبوقة.

آفاق مذهلة: من أسرار الكون إلى مفاتيح فيزياء جديدة
في خطوة تالية، يعتزم الباحثون كشف غموض الثقوب السوداء الدوّارة الأكثر تعقيدًا، والتي تؤثر دواماتها على الزمكان المحيط بها بطريقة لم تفهم بالكامل حتى الآن. ومع تعاظم تطور التلسكوبات الأرضية مثل مرصد أينشتاين الجديد، فإن توسيع هذا التحليل قد يسمح أيضاً باقتناص خيوط دقيقة حول آثار نظريات الجاذبية الكمومية – الجسر المستحيل (حتى الآن) بين النسبية العامة وعالم الكوانتم.

ذو صلة

وهنا تتضح العلاقة المتينة بين الفيزياء النظرية والملاحظة العملية: فالنماذج الرياضية التي يحلل بها العلماء ترددات الثقوب السوداء ليست مجرد معادلات، بل مفاتيح حقيقية لكشف طبيعة المادة والطاقة، وربما تحديد مواقع انزياحات طفيفة في موجات الجاذبية تكشف عن فيزياء جديدة.

الخلاصـة
بينما قد يبدو الفضاء أبكم وعصيًّا على الفهم، تقودنا هذه الدراسة إلى إدراك أن الكون يخفي دندنة عميقة، وأن أسرار الثقوب السوداء بدأت أخيرًا تكشف على إيقاعات جديدة. إذا رغبت في تقريب المعنى، ربما كان من الأنسب تعويض كلمة "دندنة" هنا بـ"لحن"، لإضفاء قوة تعبيرية أكبر على الصورة، ومن الممكن أيضًا التركيز أكثر على صلة هذه النتائج بالتجارب المستقبلية كخطوة ربط تقوي المغزى. في النهاية، فإن كسر هذا الصمت الكوني يذكّرنا أن العلم لا يقف عند حدود الصورة التقليدية للأشياء، بل يواصل البحث عن ألحان جديدة في أعماق الفراغ.

ذو صلة