ذكاء اصطناعي

عودة الوحوش التي انقرضت… هل البشر هم الفريسة القادمة؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

أعاد الذكاء الاصطناعي الأمل بإحياء الأنواع المنقرضة مثل الديناصورات والماموث الصوفي.

تقنيات تعلم الآلة مثل AlphaFold تسهم في فهم البنية البروتينية اللازمة لإعادة الحياة.

منظومات مثل ESM تعتمد "التكميل الذكي" لتخمين الشيفرة الجينية المفقودة.

شركات ناشئة تسعى بجدية لإحياء الماموث ونمر تسمانيا وطائر الدودو قبل 2028.

الجدل حول الأخلاقيات والمصالح التجارية يزداد وسط تسارع الاكتشافات العلمية.

تخيل أن تسمع دوي خطوات ديناصور يكسّر سكون الأرض من جديد أو تشاهد ماموثاً صوفياً يتجول أمام عينيك لأول مرة منذ آلاف السنين. لطالما اقتصر هذا المشهد على أفلام الخيال العلمي مثل “حديقة الديناصورات”، لكن يبدو أن العلم اليوم يقترب أكثر من أي وقت مضى لجعل المستحيل ممكناً، كل ذلك بفضل ثورة الذكاء الاصطناعي.

في السنوات الأخيرة، ظهرت تطورات مذهلة في علم الوراثة والأحياء التطورية. الحلم الذي رواد كثيرين لإحياء الأنواع المنقرضة أو ما يعرف بـ “الانقراض العكسي” لم يعد مجرد خرافة. النقطة المحورية في هذا التقدم كانت دائماً “الشفرة الوراثية” أو الـ DNA. فعندما يموت كائن حي تبدأ شيفرته الوراثية بالتلاشي والتفتت حتى تصبح، مع مرور ملايين السنين، مجرد أثر ضئيل يصعب تحليله. وهذا هو التحدي الذي وقف طويلاً بين العلماء وبين إعادة الديناصورات وغيرها من الكائنات المنقرضة إلى الحياة.

وهنا يظهر دور الذكاء الاصطناعي، الذي قلب المفاهيم رأساً على عقب. تعتبر تقنيات التعلم الآلي الحديثة مثل AlphaFold، المطوّرة من شركة DeepMind التابعة لغوغل، نقطة تحول رئيسية في هذا المجال. كانت مهمة فهم البنية الثلاثية للأحماض الأمينية التي تبني البروتينات أشبه بحل لغز معقد يتطلب سنوات طويلة من البحث. ولكن اليوم، صار بإمكان الذكاء الاصطناعي التنبؤ بشكل هذه البروتينات بدقة تقارب نتائج المختبرات، مما يفتح الباب واسعاً أمام إعادة بناء شفرة الحياة المفقودة.

ومن هذه النقطة، انتقل البحث من مجرد التنبؤ بمكونات البروتينات إلى إعادة تركيب الشيفرة الجينية ذاتها. تدخل أنظمة النمذجة التطورية، مثل ESM أو “نمذجة النطاق التطوري”، المشهد هنا، حيث تتغذى على قواعد بيانات هائلة من المعلومات الوراثية. وبدلاً من استسلام العلماء للفراغات الموجودة في شيفرة DNA القديمة، تعتمد هذه الأنظمة على تقنية “التكميل الذكي”، فتستخدم الذكاء الاصطناعي لتخمين الأجزاء الناقصة من السلسلة الوراثية وفقاً لمنطق الطبيعة نفسها.

ومع هذا التقدم، يظهر سؤال أخلاقي عميق: هل ما تنتجه هذه الخوارزميات هو فعلاً “الحقيقة الوراثية”، أم هو نسخة معقدة ومفترضة فقط؟ هنا تحذر خبيرة علم الأخلاقيات الحيوية د. لينا شارما من جامعة ستانفورد قائلة: “ما نحصل عليه ليس نسخة أصلية، بل توقع محوسب لما قد تكون عليه الشيفرة الجينية. الخطر هو أن نتوهم أن التوقع عالي الدقة هو الحقيقة ذاتها”.

ولكي تنبض هذه الشيفرة الإلكترونية بالحياة، تدخل “البيولوجيا التركيبية” إلى المضمار. شركات مثل Twist Bioscience بدأت فعلياً في “طباعة” سلاسل DNA صناعية من بيانات رقمية. وتستكمل العملية بإدخال هذا الحمض النووي الصناعي في خلايا كائنات معاصرة قريبة من المنقرضين. في تجربة إحياء الماموث الصوفي مثلاً، يُستخدم الفيل الآسيوي كمضيف ويُعاد برمجة خلاياه لتصبح أشبه بخشبة مسرح تحمل جينات الماضي وتعيد إنتاجها. هكذا يُولد كائن هجين يجمع بين التقنية والأسلاف الغابرين في حلة واقعية لم يكن أحد ليتوقعها حتى قبل أعوام قليلة.

ومن المثير أن هذا السباق العلمي لم يبقَ في أروقة الجامعات فحسب. شركات ناشئة مثل Colossal Biosciences، المدعومة بأكثر من 225 مليون دولار، أعلنت بوضوح هدفها لإحياء الماموث قبل حلول عام 2028، بل وتمضي قدماً في مشاريع لإعادة نمر تسمانيا وطائر الدودو المنقرض. ويصرح أحد علماء فريقهم بالفيديو: “نحن لا نحلم فقط بإحياء الحيوانات المنقرضة، بل نحن حالياً نقوم بذلك فعلاً”. هذه الإنجازات تدفعنا للتأمل في مدى سرعة تسارع العلم وربما التحذير من مسارات قد تجرُّ البشرية نحو عواقب غير محسوبة.

وهنا بيت الداء؛ فالجدل تجاوز حدود الأخلاقيات إلى ميدان التساؤلات عن المصالح التجارية. إذا أصبحت تقنيات الانقراض العكسي حكراً على شركات خاصة بتمويل أسطوري، من يضمن أنها لن تتحوّل إلى تجارة محصورة بالأثرياء فقط؟ بدأنا نلمس إرهاصات هذا بالفعل عبر مشاريع جزيرية حصرية تخيّل للصفوة تجربة العالم القديم كمغامرة ترفيهية أو حتى مقامرة مربحة. وتتماهى هذه النزعة مع توجهات رأسمالية راسخة في وادي السيليكون، حيث ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في شركات تعِد بتمديد عمر الإنسان أو حتى تجميد الجثث أملاً في بعثها مستقبلاً.

ذو صلة

وباختصار، الذكاء الاصطناعي أصبح الآن أداة قوية لهندسة الشيفرة الجينية المنقرضة، لكنّه يجرنا إلى أسئلة أكبر بكثير من حدود القدرة العلمية. بين الحلم العلمي العظيم والخطر الأخلاقي والتسويق التجاري للعلم، يقف المستقبل مفتوحاً على احتمالات مذهلة وجدل لم ينتهِ بعد.

ولعل ما يجعل هذا الملف أكثر تشويقاً وسخونة هو أن عودة الديناصورات من مجرد قصة سينمائية إلى احتمال علمي لم تعد بحاجة إلا إلى القليل من الوقت والكثير من النقاش. فهل أنتم مستعدون لرؤية ما سيجلبه لنا العلم في السنوات المقبلة؟

ذو صلة