فضلات الحيتان تدق ناقوس الخطر: سموم الطحالب تغزو البحار وتُهدد غذاء الشماليين!

3 د
تشير فضلات الحيتان إلى زيادة السموم الطحلبية بمياه القطب الشمالي.
ارتفاع درجات الحرارة يساهم في ازدهار الطحالب السامة.
تضر السموم بحياة المحيطات والسكان الأصليين المعتمدين عليها.
تكشف فضلات الحيتان عن حالة النظام الغذائي البحري سنويًا.
تدعو النتائج إلى تكثيف الرقابة والسياسات لحماية البيئة والمجتمعات.
على سواحل ألاسكا المتجمدة، لم يعد خبراء البيئة بحاجة إلى أجهزة متطورة لرصد التغير المناخي، إذ باتت فضلات الحيتان نفسها تُنذرنا بخطر يهدد صحة المحيط والنظام البيئي الهش هناك. فقد كشفت أبحاث جديدة من معهد وودز هول لعلوم المحيطات عن مفاجأة غير سارة: ارتفاع تركيز السموم الطحلبية في عينات من مخلفات حيتان البالينا، ما يشير إلى خطر محدق بالسلسلة الغذائية البحرية في تلك المنطقة.
تأتي هذه النتائج من خلال دراسة معمقة نُشرت في مجلة Nature، حيث حلل العلماء عينات فضلات الحيتان الرمادية التي تعيش في المياه القطبية الشمالية للأعوام الممتدة بين 2004 و2022. واكتشف الخبراء وجود مستويات كبيرة من سم ساكسيتوكسين، وهو مركب سام تنتجه طحالب الإسكندريوم، بالإضافة إلى رصد كميات أقل من حمض الدومويك السام الذي تفرزه طحالب بحرية أخرى وتعرف باسم "بزودو-نيتشسيا". تبرز أهمية هذا الاكتشاف ليس فقط لكون هذه السموم تضر بالحيتان والكائنات البحرية مثل الرخويات والأسماك، بل لأنها تهدد أيضاً المجتمعات المحلية من السكان الأصليين في ألاسكا الذين يعتمدون على صيد هذه الكائنات لمعيشتهم وغذائهم.
ويبدو أن الأزمة تزداد وضوحًا عند الربط بين هذه البيانات وبين قضية الاحتباس الحراري العالمية. فارتفاع درجات حرارة قاع المحيط يُساعد على خروج الأكياس الساكنة من الطحالب السامة من سُباتها، بعدما كانت تنجو من الشتاء القارس دون تأثير. ومع اختفاء الجليد البحري وتقلص طبقة الثلج، تزداد قدرة أشعة الشمس على تدفئة المياه، مما يؤمن البيئة المثالية لازدهار هذه الطحالب الضارة. وهذا ما دفع دون أندرسون، الباحث البارز في الدراسة، إلى القول إن هذه الظاهرة غيّرت المشهد تمامًا، ووضعت أمامنا نوعًا جديدًا من الأخطار البيئية التي لم نعرفها من قبل.
السموم الطحلبية: قنبلة موقوتة في غذاء البحر
وهنا يظهر مدى الترابط بين صحة المحيطات وحياة البشر في تلك المناطق البعيدة. فخلال فترات ضمور الثلوج، سجل الباحثون ارتفاعاً واضحاً في تراكيز السموم في عينات الحيتان. وتؤكد كاثي ليفبفر، المؤلفة الرئيسية للدراسة وخبيرة سموم الأحياء المائية، أن البيانات المستقاة من مخلفات الحيتان قدمت "نافذة سنوية" على حالة النظام الغذائي البحري، دون الحاجة لجمع مئات العينات من الكائنات البحرية كل عام. فقد لعبت الحيتان نفسها – بسبب نظامها الغذائي المتركز على العوالق الصغيرة التي تخزن السموم – دور "الراصد البيئي" للمحيط. وهذا يربط بين الجهد البحثي الطويل الذي امتد لعقدين تقريبًا والواقع العلمي الجديد الذي يواجهه سكان وسكان الحياة البرية في القطب.
ومع كل هذا، تشعر المجتمعات المحلية في ألاسكا بالقلق حيال استدامة مصدر غذائها الرئيسي. فقد كانت أول من لاحظ التغيرات التي طرأت على البيئة وجريان المواسم بشكل غير معتاد. واليوم، تزداد الحاجة إلى امتلاك أدوات فعالة وسريعة لفحص الأطعمة البحرية والتأكد من خلوها من السموم، أو التفكير بطرق مثلى لإعادة التوازن إلى الجليد البحري الذي يحمي الحياة هناك. بهذه الخطوات فقط يمكن تقليل مخاطر تأثير السموم الطحلبية، أو كما ينصح الخبراء، ربما من الأنسب تضييق نطاق اليقظة نحو الأطعمة الأكثر عرضة لحمل هذه السموم، وبالذات خلال الأعوام ذات الذوبان الجليدي السريع.
ولرسم صورة أوضح، يعكس هذا البحث كيف تؤدي حلقات التغير المناخي إلى اضطراب كل عناصر سلسلة الغذاء، بدءاً من الطحالب المجهرية وصولاً إلى الحيتان الضخمة والبشر أنفسهم. وقد يكون الوقت قد حان لتكثيف الرقابة العلمية في القطب الشمالي والتفكير في صياغة سياسات تساعد المواطنين على العيش بأمان في ظل المتغيرات المناخية السريعة. وتبقى إضافة جملة مثل "وهذا التحول البيولوجي يتطلب تغييراً في وعي الجميع، من علماء وخبراء إلى صُناع القرار" جديرة بجعل الصورة المبسطة مكتملة وأكثر إلهامًا للمتابعة.