ذكاء اصطناعي

فيروس الشيكونغونيا يجتاح جنوب الصين: كل ما تحتاج معرفته عن المرض الذي ينقله البعوض

محمد كمال
محمد كمال

3 د

شهد إقليم غوانغدونغ في جنوب الصين موجة من الإصابات بفيروس الشيكونغونيا.

ينتقل الفيروس عبر البعوض ويسبب ارتفاع الحرارة وآلام المفاصل.

تلجأ السلطات لإجراءات صارمة كالحجر الصحي لمكافحة انتشار المرض.

التحورات المناخية ساعدت على انتشار الفيروس خارج مناطقه التقليدية.

توعية المجتمعات واتخاذ تدابير وقائية ضرورية للحد من الانتشار.

شهد إقليم غوانغدونغ في جنوب الصين مؤخراً موجة كبيرة من الإصابات بفيروس الشيكونغونيا، حيث سُجلت نحو 8 آلاف حالة مؤكدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، الأمر الذي أثار قلق السلطات الصحية وألقى الضوء على هذا الفيروس المنقول عبر البعوض والذي ظل حتى عهد قريب محصوراً في مناطق مدارية معينة فقط.

مع تزايد أعداد الحالات، بات فيروس الشيكونغونيا يشكل تهديداً صحياً متنامياً. هذا المرض المعروف بأنه ينتقل عن طريق لسعات بعوضة "الزاعجة المصرية" و"الزاعجة النمرية"، يسبب عادةً ارتفاعاً حاداً في درجة الحرارة وآلاماً شديدة في المفاصل، مصحوباً أحياناً بصداع وطفح جلدي وآلام عضلية، وفي بعض الحالات، قد تظهر مشكلات في العين أو القلب أو الجهاز العصبي. صحيح أنه نادراً ما يفضي إلى الوفاة، لكنه قد يترك من يصابون به يقاسون آلام المفاصل لأشهر طويلة، وربما لسنوات.

وحسب السلطات المحلية، بدأت حالات التفشي بالظهور منتصف يونيو، ثم تفاقمت الأوضاع في يوليو، خاصة في مدينة فوشان والمناطق المجاورة لإقليم غوانغدونغ. لتطويق العدوى، لجأت الحكومة إلى إجراءات صارمة تشمل الحجر الصحي، وتكثيف التفتيش المنزلي، واستخدام طائرات بدون طيار لرش المبيدات، في محاولة للحد من تكاثر البعوض الحامل للفيروس. ويُذكر أن فيروس الشيكونغونيا لا ينتقل من شخص لآخر مباشرة، بل يشترط وجود بعوضة ناقلة تلسع الشخص المصاب ثم تأتي لتلسع آخر.

هذه الجهود الصينية جزء من مواجهة أوسع لانتشار هذا الفيروس في مناطق لم يكن معتاداً عليها سابقاً. فالملاحظ أن الشيكونغونيا بدأ في السنوات الماضية في التسلل من المناطق المدارية مثل تنزانيا وآسيا نحو مناطق أكثر برودة وسكاناً مثل جنوب الصين وأمريكا الجنوبية. ويعود السبب، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، إلى تحور أنواع من البعوض وتلاؤمها مع أجواء أبرد بسبب التغير المناخي، ما أدى لانتشار الفيروس عالمياً ليصيب مثلاً في البرازيل وحدها فوق 180 ألف شخص هذا العام، وفق مركز مكافحة الأمراض الأوروبي.

وتماشياً مع هذه التطورات، أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية CDC تحذيراً صحياً من المستوى الثاني بخصوص السفر إلى جنوب الصين، إذ توصي بتوخي الحذر الشديد. ويوجه الخبراء نصائح للمسافرين بارتداء ملابس طويلة، واستخدام طارد البعوض، والمكوث في أماكن مكيفة أو محكمة النوافذ قدر الإمكان. ومن اللافت أيضاً أن تحذيرات مماثلة صدرت بخصوص دول مثل بوليفيا وكينيا وموريشيوس ومدغشقر وغيرها نظراً لتفشي المرض فيها أيضاً.

وهنا نشير إلى أنه رغم خطورة الفيروس، لا توجد حتى اليوم أدوية مضادة مباشرة له، بل ينحصر العلاج في تخفيف حدة الحمى وآلام المفاصل عبر مسكنات وخافضات الحرارة. أما بالنسبة للقاحات، فتمت الموافقة حديثاً في الولايات المتحدة على لقاحين خاصين بالشيكونغونيا، أحدهما يستهدف البالغين فوق 18 سنة، والثاني لأعمار 12 سنة فما فوق، مع توصيات خاصة للحذر في كبار السن ممن يعانون أمراضاً مزمنة.


مخاوف من الجائحة: بين الواقع والأرقام

بالنظر إلى سرعة انتشار الفيروس مؤخراً في الصين وأمريكا الجنوبية، تزايدت المخاوف بشأن خطر تحوله إلى جائحة عالمية. لكن خبراء الصحة يطمئنون إلى أن مخاطر تحوله إلى كارثة بحجم جائحة كوفيد-19 تبقى ضئيلة جداً، خاصة وأن الفيروس يحتاج بعوضة ناقلة للانتقال، وليس البشر أنفسهم. غير أن اتساع نطاق انتشار البعوض نتيجة عوامل المناخ وتوسع العمران يبقي الشيكونغونيا تحت نظر المتخصصين كتهديد محتمل في المستقبل. وهذا يسلط الضوء على أهمية المراقبة المستمرة وحملات السيطرة على البعوض في المناطق المهددة.

ذو صلة

ومع تصاعد وتيرة الإصابات وحركة السفر مع اقتراب مواسم الإجازات، يتجدد الحديث عن ضرورة رفع الوعي لدى المجتمعات بشأن أمراض البعوض وسبل الوقاية منها، خاصة مع تزايد أبحاث الهندسة الوراثية التي تهدف للحد من تكاثر البعوض الناقل للأمراض، وسط تطور حلول طبية وبيئية مبتكرة.

في الختام، يكشف اجتياح فيروس الشيكونغونيا لإقليم غوانغدونغ حجم الترابط بين تغيّر المناخ والتحولات البيئية وظهور أمراض جديدة أو عودة القديمة منها بقوة في مناطق لم تكن معتادة عليها. الأمر الذي يستدعي من الأفراد، خاصة المسافرين، اتخاذ طرق وقاية بسيطة لكنها فعّالة، ومن الحكومات المزيد من الاستعداد وتكامل الجهود مع المجتمع العلمي لمواجهة أي تهديدات صحية عابرة للحدود.

ذو صلة