ذكاء اصطناعي

في سنغافورة… امتلاك رخصة قيادة أغلى من سيارة فيراري!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

امتلاك سيارة في سنغافورة هو رمز للثراء بسبب تكاليف شهادة الاستحقاق.

وصلت أسعار شهادة الاستحقاق إلى أكثر من 84 ألف دولار، مما يزيد من تكلفة السيارات.

تعتمد السياسة المرورية على التحكم في عدد السيارات لدعم البيئة وتقليل الزحام.

استثمرت الحكومة بكثافة في شبكة نقل عامة متطورة لتسهيل التنقل للجميع.

تجربة سنغافورة في إدارة المرور نالت اهتماماً عالمياً رغم صعوبة تطبيقها كاملاً في مدن أخرى.

أن تمتلك سيارة في سنغافورة اليوم لم يعد مسألة سهولة تنقل، بل أصبح **رمزاً حقيقياً للثراء**. فحتى السيارة المستعملة هناك قد تعادل قيمة شقة صغيرة في أي مدينة أخرى، ما يجعل القيادة حلماً بعيد المنال لغالبية السكان.

تبدو العاصمة الآسيوية البراقة وكأنها جنة لعشاق السيارات نظراً لشبكة طرقها المتقنة ونظافتها اللافتة وغياب الازدحام المعتاد في المدن الكبرى. غير أن وراء هذا النظام المثالي سياسة صارمة هي السبب في ندرة السيارات، إذ تفرض الحكومة منذ عام 1990 ما يُعرف باسم **شهادة الاستحقاق (COE)**، وهي رخصة تُمنح لمدة عشر سنوات تُمكّن مالكها من امتلاك مركبة، وتُطرح في مزادات مرتين شهرياً.


سوق مغلقة للأثرياء فقط


وصلت أسعار هذه الشهادات في مارس 2025 إلى أكثر من **84 ألف دولار أميركي**، بحسب هيئة النقل البرّي في سنغافورة، أي بزيادة 18 بالمئة عن العام السابق. والمفارقة أن هذا المبلغ لا يشمل ثمن السيارة نفسها. فعلى سبيل المثال، تباع سيارة «كيا فورت» المستعملة التي لا تتجاوز قيمتها في الولايات المتحدة أربعة آلاف دولار بما يقارب 24 ألفاً في سنغافورة، بينما تشكّل الشهادة الجزء الأكبر من التكلفة الإجمالية.

وهذا يربط بين فكرة امتلاك السيارة ومكانة اجتماعية مرموقة، كما يوضح أندريه لي، وهو موظف تأمين في الثلاثين من عمره اشترى سيارة مستعملة عام 2020 فقط ليترك انطباعاً مهنياً لدى عملائه، قبل أن يبيعها لاحقاً بسبب تكاليف الوقود والصيانة والرسوم. واليوم يعتمد مثل الكثيرين على وسائل النقل العام ويستعين أحياناً بسيارة والده للقاءاته المهمة.


رفاهية تحتسب بالدقائق


قصص مشابهة تتكرر مع العديد من المواطنين مثل سوزان تشين، سيدة الأعمال التي دفعت نحو **150 ألف دولار** لاقتناء سيارة «مرسيدس بنز» نصف ثمنها تقريباً لشهادة الملكية. تقول تشين: «أدفع ثمن الراحة لا أكثر». وغالباً ما تُقاس هذه الراحة في بلد مكتظ مثل سنغافورة بقدرتك على الوصول في الموعد دون ازدحام.

المدينة، التي يسكنها نحو 5.9 ملايين شخص، لا تحتمل أساساً أعداداً كبيرة من المركبات، لذلك بقي معدل التملك منخفضاً عند **11 سيارة لكل مئة شخص** فقط، مقارنة بأكثر من 80 في الولايات المتحدة و75 في إيطاليا. هذا التحكم لم يأتِ مصادفة، بل ضمن خطة مدروسة لضبط الكثافة المرورية وحماية البيئة في جزيرة صغيرة المساحة.

وهذا يقودنا إلى العامل الحاسم وراء نجاح السياسة المرورية هناك.


شبكة نقل عامة استثنائية


لأن التنقل حق للجميع، استثمرت الحكومة بكثافة في تطوير شبكة **مترو الأنفاق (MRT)** والحافلات العامة، حتى بات **80 بالمئة من الأسر على بُعد عشر دقائق سيراً من إحدى المحطات**. ويكلف الانتقال لمسافات طويلة أقل من دولار ونصف تقريباً، كما توفر تطبيقات مثل «غراب»، النسخة الإقليمية من «أوبر»، بديلاً عملياً وسريعاً لمن لا يملكون سيارات.

لكن رغم الكفاءة العالية، يبقى الأمر صعباً للعائلات التي لديها أطفال أو كبار سن. جوي فانغ، أم لطفلين، اشترت سيارة «هيونداي» مستعملة عام 2022 مقابل 58 ألف دولار وتقول إنها تندم على القرار، إذ تستهلك نفقات النقل أكثر من 10 بالمئة من دخل الأسرة، ما أجبرهم على خفض نفقات الترفيه والسفر.


نموذج يحتذى أم تجربة صعبة النسخ؟


أصبحت تجربة سنغافورة مرجعاً عالمياً في كيفية إدارة حركة المرور وتقليل الانبعاثات. اطلعت مدن مثل لندن وستوكهولم ونيويورك على النموذج لتطبيق أنظمة الرسوم والازدحام، لكن قلّ من يجرؤ على تبنّيه كاملاً نظراً لاعتماده على بنية تحتية متطورة ومساحات محدودة. ولا يمكن ببساطة تطبيقه في مدن مترامية مثل جاكرتا أو لوس أنجلوس أو ساو باولو.

ذو صلة

وهذا يربط سياسات النقل بالتحول المناخي العالمي، إذ تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن قطاع النقل البري مسؤول عن نحو **24 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون**، ما يجعل المدن الكبرى ساحات مبكرة في معركة خفض الكربون وتحقيق الاستدامة.

في النهاية، إذا كانت السيارة في معظم أنحاء العالم رمزاً للحرية، فهي في سنغافورة **شهادة نجاح اجتماعي واقتصادي**. فمن يمتلك مقعد السائق هناك، حتى إن كان يقود سيارة متواضعة، يعدّ من المحظوظين القلائل الذين حازوا على «تذكرة ذهبية» في أحد أكثر أسواق السيارات تشدداً وغلاءً في العالم.

ذو صلة