ذكاء اصطناعي

قارة الهند على وشك الانقسام: أدلة جيولوجية جديدة ترسم تحولات مذهلة في الأرض

محمد كمال
محمد كمال

4 د

كشف الباحثون عن "تقشر" داخلي يؤدي لانقسام قارة الهند على المستويات التكتونية.

تغوص طبقاته السفلية نحو الوشاح الأرضي، وتملأ الصخور المنصهرة الفراغات.

يرتبط الانقسام بجبال الهيمالايا، مما يزيد من مخاطر الزلازل في المنطقة.

يشير تحليل النظائر الكيميائية إلى صعود مواد عميقة من باطن الأرض.

تطبيقات النتائج تؤثر على توزيع التوترات التكتونية وعلوم الزلازل المستقبلية.

في تطور علمي أذهل أوساط الجيولوجيا، أعلن باحثون خلال مؤتمر الاتحاد الأمريكي للبحوث الجيوفيزيائية عن اكتشاف شواهد وصفت بالمقلقة لانقسام قارة الهند من الداخل. البيانات الحديثة تشير إلى أن اللوح التكتوني الهندي يشهد عملية "تقشر" طبقي، حيث تنفصل طبقاته السفلية الأكثر كثافة وتغوص تدريجياً في الوشاح الأرضي العميق، بينما تملأ الصخور المنصهرة الجديدة الفراغ الناتج. هذا الكشف يحمل في طياته تغيرًا في فهمنا لتشكل جبال الهيمالايا ويثير هواجس جديدة حول مخاطر الزلازل والنشاط الزلزالي في القارة الهندية والمنطقة المجاورة.

كانت جبال الهيمالايا دائمًا مرجعية حية للظواهر التكتونية، إذ تشكّلت وتستمر في النمو معنا بفعل تصادم الهند مع أوراسيا منذ ستين مليون عام. وعادة ما تدور المناقشات العلمية حول الانزلاق أو الغوص للصفائح، لكن النظرية الجديدة تقترح سيناريو مغاير تمامًا يُعيد رسم حدود العلم الجيولوجي. فاللوح الهندي، بحسب الأبحاث الجديدة، قد يكون بصدد انقسام عمودي تام، ما يسمح للمواد الصخرية الساخنة من باطن الأرض بالتصاعد نحو الأعلى عبر الفجوة النامية.

ويدعونا هذا الطرح للغوص في تفاصيل عملية "التقشر الطبقي" — وهي مفهوم جيولوجي يعني أن جزءًا من قاعدة اللوح التكتوني يمكن أن ينفصل بطريقة تشبه خلع قشرة برتقالة، ليبدأ بالغوص نحو أعماق الوشاح الأرضي حيث درجات الحرارة والضغط الهائلتان. في هذه الحالة، تصبح الصخور المنصهرة على مقربة من سطح الأرض أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي يؤدي إلى تغيرات عميقة في مورفولوجيا القشرة وربما يترك آثارًا مرئية على سطح الأرض مثل الصدوع والانبعاجات الأرضية. ومن هنا تأتي أهمية الرابط بين نتائج البحوث الحديثة والانشغالات الدائمة حول مصير جزء ضخم من شبه القارة الهندية.

ما يمنح هذه الفرضية قوة إضافية هو الأدلة المتقاطعة من تحليل موجات الزلازل وقياسات النظائر الكيميائية المنبثقة من الينابيع الحارة في جنوب التيبت. فقد كشفت الفحوص أن تركيبة الهيليوم، على سبيل المثال، تختلف بشكل مفاجئ على جانبي الحد الجغرافي داخل منطقة بوتان: على الجانب الجنوبي أصلها من القشرة الأرضية، أما على الجانب الشمالي فهي مشتقة من الوشاح الأرضي نفسه. وهذا دليل قوي على أن الشق الداخلي في صفيحة الهند يسمح للمواد العميقة بالصعود، كما لو أننا أمام عملية إعادة تدوير ضخمة لطبقات الأرض الداخلية.

إن نتائج هذه الدراسات لا تؤثر فقط على تصوراتنا لهيمالايا وتاريخها الصخري، بل تفرض علينا إعادة التفكير في توزيع التوترات التكتونية ومخاطر الزلازل المستقبلية؛ إذ لطالما كان إقليم الهيمالايا مرتعًا للهزات الأرضية القوية بسبب شدّة التصادم المستمر بين الهند وأوراسيا. ومع إمكانية أن يكون الشق في الصفائح قد غيّر النمط التقليدي لتوزع القوى في المنطقة، فنحن أمام احتمالات متزايدة لنشاط زلزالي لم نكن نستطيع تفسيره من قبل.

ولتكامل الرؤية، ارتبطت الدراسات الجيوفيزيائية الأخيرة بميزات طبوغرافية ملحوظة مثل "صدع كونا-سانغري" في هضبة التبت، الذي يبدو امتداده موازيًا لمنطقة الشق المكتشفة حديثًا. هذا الربط يؤكد أن التغيرات في باطن الأرض لا تبقى حبيسة الأعماق، بل تنتقل تجلياتها إلى سطح الكوكب عبر شبكة معقدة من الصدوع والتشوهات، ما يجعل فهم ديناميكية هذه المنطقة أمرًا ملحًا للعلماء وصناع السياسات والجهات المعنية بالحد من الكوارث على حد سواء.

ذو صلة

ومن هذا المنطلق، شددت عالمة الزلازل الشهيرة آن ميلتزر على أهمية تعزيز نماذج توقع الزلازل في هذه البقعة المزدحمة جيولوجيًا، مبرزة أن الأدلة الجديدة تزوّد الجهات المختصة بأدوات أفضل لرصد المخاطر والتخطيط المسبق والاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية. فرغم أن التغيرات العميقة غالبًا ما تبدو بعيدة عن حياتنا اليومية، إلا أن انعكاساتها المباشرة على سطح الأرض يمكن أن تكون خطيرة وواضحة للجميع.

وبينما تواصل فرق البحث مراقبة توزّع النظائر وعمليات الرصد الزلزالي في الهند والتيبت، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا لنشر الوعي العلمي حول ما يحدث في باطن الأرض، وربما يكون من الأنسب أحيانًا استعمال عبارات أدق وأكثر وضوحًا من المغامرة بكلمات مبالغ فيها؛ فالتدقيق في المصطلحات يعزز الثقة ويضفي على المقال طابعه العلمي الواضح. كذلك، فإن ربط الجملة الأخيرة بالإشارة إلى أثر هذه التحولات على الأمن الجغرافي والسكاني في جنوب آسيا قد يقوي من زاوية الطرح ويشد انتباه القارئ حتى النهاية. هكذا، يظل كوكبنا في حركة دائمة، وتبقى جيولوجيا الهند اليوم مرآة للتغير المستمر في قلب الأرض.

ذو صلة