ذكاء اصطناعي

قطرة عين ثورية: هل اقترب العالم من استعادة البصر دون جراحة؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تقترب الأبحاث من تطوير قطرة عين مبتكرة لعلاج الساد دون جراحة.

تحتوي القطرة على مادة VP1-001 التي تذيب تجمعات البروتينات المسببة لتعكر العين.

أظهرت التجارب الحيوانية فعالية في تحسين شفافية وعدسة العين.

ما زال هناك حاجة لمزيد من التجارب السريرية لضمان الأمان والفعالية في البشر.

تحقيق هذه القفزة يعزز العدالة في الرعاية الصحية واستعادة البصر للجميع.

تخيل لو كان بإمكان ملايين البشر حول العالم استعادة نعمة النظر دون الحاجة لجراحة معقدة أو مشرط جراح! قد يبدو ذلك حتى الأمس ضربًا من الخيال العلمي، لكن العلماء اليوم يقتربون أكثر فأكثر من تحقيق هذه القفزة بفضل قطرة عين مبتكرة، قد تغيّر مستقبل علاج الساد بشكل غير مسبوق.

البداية مع لقطة قريبة على السوداوية: مرض الساد (أو المياه البيضاء) ليس مجرد مشكلة بصرية بسيطة أو تعب عابر في الرؤية، بل هو عدو صامت يتسلل تدريجيًا إلى حياة الإنسان، فيحول الألوان إلى لوحات باهتة، ويجعل الوجوه ظلالاً، ويترك المصاب في عالم ضبابي يزداد عتمة مع الوقت. وفقًا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية، هناك أكثر من 65 مليون شخص حول العالم يعيشون في هذا العتمة البصرية بسبب الساد. ومن المؤسف أن الحل المتوفر حاليًا وهو الجراحة، رغم كونه فعّالًا في معظم الأحيان، يظل بعيد المنال عن كثيرين نظرًا للتكاليف، وقلة المراكز الطبية المؤهلة، أو حتى لمجرد الخوف من العملية نفسها.

وهنا تبرز أهمية هذا الإنجاز العلمي الجديد، إذ يقلب معادلة العلاج التقليدي رأسًا على عقب ويفتح نافذة أمل لمن حُرموا من فرصة البصر الواضح. فبدلاً من الحل الجراحي المعتمد، ترتكز الأبحاث الجديدة على قطرة تحتوي مادة تُسمى VP1-001 وهي مركب أكسيستيرول مشتق من الكوليسترول. تلعب هذه المادة دور “المنظم الكيميائي” لبروتينات العدسة (وتحديدًا “كريستالين ألفا”)، فتعيد إليها انتظامها الطبيعي وتذيب التكتلات المسؤولة عن تعكر العدسة، الأمر الذي يعيد للعين شفافيتها.


لماذا تعتبر هذه القطرة اختراقًا طبيًا فريدًا؟

لو أمعنت النظر في كيفية تطور الساد، ستلاحظ أن التقدم في السن أو التعرّض المفرط لأشعة الشمس أو بعض أمراض مثل السكري كلها عوامل تسرع تكسير بروتينات العدسة وتكدسها في كتل غير شفافة. وهنا يأتي سحر مركب VP1-001: فقد أثبتت التجارب الحيوانية (وتحديداً على الفئران) كفاءة ملحوظة لهذه القطرة في إعادة ترتيب البروتينات المسببة لتعكر العدسة، ليس فقط بتقليل العتامة، بل بإعادة جزء من المرونة والفوكس الطبيعي للعدسة كذلك.

ولعل النقطة الأكثر إثارة للإعجاب أن هذه القطرة تتمتع بقدرة نفاذ عالية إلى أنسجة العدسة، مما يعزز من فاعليتها مقارنة بمحاولات سابقة لم تحقق التأثير المطلوب بنفس المستوى. وقد فسرت الدكتورة أوشا أندلي، إحدى رائدات البحث في هذا المجال، أن الهدف من هذه التقنية لا يقتصر على تخفيف الأعراض، بل يمتد لإيقاف أو حتى عكس السبب الجذري لتكوّن سحابة الساد، وهو أمر لم ينجح أي علاج معتمد به من قبل دون إزالة العدسة بالكامل. وهذا يفتح آفاقًا لمعالجة الساد بطريقة تحفظ التركيب الطبيعي للعين بلا تدخل جراحي.

لكنك ربما تتساءل: هل تناسب هذه القطرة كل أنواع الساد ولكل الأعمار؟


الانتقال من الأمل إلى الحذر العلمي

رغم نتائج واعدة، علينا التذكير أن جميع هذه الدراسات ما زالت في مرحلة ما قبل التجارب على البشر. الفئران ليست بشرًا بطبيعة الحال، وهناك فروقات في الحجم والتكوين البيولوجي قد تعيق ترجمة هذه النتائج السريعة بنفس الفعالية عند البشر. كما أن الساد له أسباب مختلفة منها الوراثية وأخرى مرتبطة بالشيخوخة أو الأمراض المزمنة، وقد تختلف الاستجابة للعلاج بحسب الآلية المسببة. ويرى بعض الخبراء أن هذه القطرة قد تُحدث ثورة في علاج الساد المرتبط بخلل البروتينات، لكن من المبكر الحديث عن كونها بديلاً كاملًا للجراحة، خصوصًا في حالات يحتاج فيها المريض أيضًا إلى تصحيح انكسار الضوء (كقصر النظر أو الاستجماتزم)، وهو ما توفّره العملية الجراحية بفضل العدسات الصناعية.

من هنا تتضح أهمية التريث وخضوع المركب VP1-001 للمزيد من التجارب السريرية، للتأكد من أمانه وفعاليته لدى المرضى وتحديد أفضل طرق الإستخدام ومدة العلاج المثلى.

ذو صلة

وبانتظار اكتمال هذه الدراسات، يبقى الحفاظ على صحة العين وقاية أساسية للجميع. لأن الوقاية في النهاية جزء رئيسي من هذا الحوار اليومي مع نظرنا، خاصة في البلدان التي يصعب فيها الوصول إلى الجراحة. فالابتعاد عن التدخين، الاهتمام بنظافة العين، الفحص المنتظم لدى الطبيب، وتناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة وفيتامين سي وأوميغا-3، كلها عوامل محورية في تأخير تطور الساد أو الحد من مضاعفاته.

وهكذا نصل إلى ختام هذه الحكاية الطبية. ربما ما تزال قطرة VP1-001 في طور التجارب، لكن وعدها يبعث التفاؤل: قد نرى قريبًا عصرًا يصبح فيه استرجاع النظر حقًا لكل إنسان، لا حكرًا على من يملك القدرة أو الشجاعة للخضوع للجراحة. ولعلك لاحظت أن هذه القفزة العلمية لم تفتح باب الأمل للأفراد فقط، بل أعادت طرح أسئلة حول العدالة في الرعاية الصحية وأحقية الجميع في رؤية العالم بوضوح. هنا يمكن مثلاً تعويض عبارة "نافذة أمل" بمرادف أقوى مثل "شعاع أمل"، أو تعميق الربط بين الصحة العامة والتقنيات العلاجية الجديدة بجملة ربط واضحة حول حلم العدالة الطبية للجميع. في النهاية، هو وعد بثورة علمية جديدة قد ترسم مستقبلاً أكثر إشراقًا لكل من فقد ضوء العيون في غياهب الساد.

ذو صلة