قطعة جندب عمرها 3400 عام تُثير الجدل وتُباع في مزاد بأكثر من 450 ألف دولار

4 د
جندب مصنوع من العاج والخشب يُباع في مزاد بلندن بـ450 ألف دولار.
القطعة تعود لفترة الملك توت عنخ آمون وتثير تساؤلات حول خروجها من مصر.
دقة وتصميم الجندب يعكسان براعة النوبيين في الحرف اليدوية.
أثار بيع الجندب جدلًا حول قوانين حماية الآثار واستعادتها لدولها الأصلية.
علماء يدعمون عودة الجندب لمصر لتعزيز التراث الوطني.
في زحمة الأخبار الأثرية التي تثير الذهول كل يوم، تصدّر جندب نحتي صغير مصنوع من العاج والخشب واجهة النقاش بين عشاق الحضارة المصرية القديمة ومؤرخي الآثار حول العالم. القطعة التي يبلغ طولها حوالي تسعة سنتيمترات فقط تعود إلى عصر الملك توت عنخ آمون، وقد بيعت في مزاد بلندن بسعر تجاوز 450 ألف دولار، رغم ظلال الشكوك التي تحوم حول طريقة خروجها من مصر قبل أكثر من قرن.
بين يديك اليوم قصة تجمع بين عبق التاريخ، وسحر الآثار، والمعارك القانونية حول الملكية، والألغاز التي لم تُحل بعد بشأن كنوز الفراعنة. فكيف وصل هذا الجندب الفريد، الذي تُشير دقته وألوان عيونه السوداء والزرقاء إلى براعة النوبيين في الصناعات اليدوية، إلى واجهات المزادات الأوروبية؟ وما مدى صحة الادعاء بأنه سرق من قبر أشهر فراعنة وادي الملوك؟
سيرة القطعة وتاريخها الغامض
لنبدأ من الحكاية الأولى: وُصف جندب العاج ذا الأجنحة الملونة بأنه تحفة فنية استُخدمت لحفظ الكحل أو العطور النفيسة في عصر الدولة الحديثة. تفاصيله المميزة – من الأجنحة المحفورة بنمط رقع الشطرنج، إلى cavity الصغيرة داخل جسده – توحي بأنه كان يرافق طبقة النخبة في حياتهم اليومية ويضفي طقساً من الخصوصية على حياة القصر الملكي. وهذا الارتباط بالرفاهية الملكية هو ما يجعل القطعة ذات قيمة استثنائية اليوم.
هذه السمات الاستثنائية تمثل الرابطة الأولى مع الشكوك المتزايدة حول أصل الجندب وارتباطه بتوت عنخ آمون. الباحثون الذين درسوا تطور الحرف اليدوية في مصر يجدون في القطعة بصمات عصر الملك الشاب ذاته، وهو ما أعطى زاداً للجدل رغم غياب صورة توثق المكان الذي وُجدت فيه داخل المقبرة.
من هنا، تتشابك خيوط القصة، فقد ظهر اسم هاورد كارتر، مستكشف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، كجزء من السجال. إذ تشير بعض الوثائق إلى أن القطعة ربما غادرت وادي الملوك بطريقة غير رسمية على يد كارتر نفسه، الذي نُسبت إليه شائعات منذ عقود عن تهريب مقتنيات من كنز الفرعون، ومنها رسائل ومذكرات كشفت لاحقاً متعلقاته الشخصية بعد وفاته.
أثر المزادات العالمية وصدى القوانين الدولية
في السنوات اللاحقة، تتبع القطعة دربها عبر تجار معروفين مثل موريس نهمان وجوزيف برومر، ثم انتقلت إلى مقتطفات متاحف نيويورك وبروكلين، لتُثري لاحقاً مجموعة "جوينول" الشهيرة العائدة إلى جامع التحف الأمريكي آلستير مارتن. ظل الجندب ينتقل بين أيادي جامعي التحف البارزين، حتى بلغ أحد أفراد العائلة الأميرية القطرية، وباعها أخيراً أحد مزادات لندن متجاوزاً جميع الاعتراضات القانونية.
وتبرز هنا إشكالية القانون الدولي وحماية التراث من التهريب العلمي. فقد علقت دار "أبولو" للمزادات بأن النسبة بين القطعة وقبر توت عنخ آمون لا تزال فرضية علمية وليست حقيقة مثبتة، مستندة إلى القانون البريطاني الذي يشترط إثبات منشأ القطعة بشكل قطعي لطلب استردادها. من المثير أن مثل هذه المزادات الكبيرة غالباً ما تتجنب اقتناء قطع أثرية مثيرة للجدل بهذا الشكل، وهو ما أكده بعض خبراء الجرائم المتعلقة بالفنون والآثار.
مما يوضح عمق المعركة بين حرص الدول، خاصة مصر، على استرجاع تراثها الثقافي وقوة تجارة التحف العالمية التي غالباً ما تتجاوز الحدود بقانونية وشرعية يصعب إثبات بطلانها بعد مرور عقود، وهذا يفتح الباب لمزيد من النقاش حول حماية آثار الفراعنة ومحاسبة المتورطين في سرقتها.
الأصوات العلمية والمطالبة بالاسترجاع
نصل إلى صوت العلماء والمختصين، الذين اعتبروا بيع الجندب "تحدياً للضمير" وينادون علناً بعودته إلى مصر. فقد صرّح الدكتور كريستيان لوبن، أحد أبرز علماء المصريات في ألمانيا، أنه شبه مقتنع بأن القطعة خرجت من المقبرة الملكية. يعزز رأيه الطابع الفني والتقني للقطعة، فضلاً عن حالتها الممتازة التي تعكس أنها بقيت في مكان محكم الإغلاق لقرون. ويضيف أن الارتباط بالتاريخ الوطني يتطلب عودة مثل هذا الأثر إلى موطنه الأصلي.
هذا التكتل من الرأي الأكاديمي يضيء سؤالاً محورياً عن مصير آلاف القطع الفنية العائدة للممالك القديمة، وقد يدفع الهيئات الدولية لإعادة النظر في فعالية القوانين الحالية بشأن حماية الكنوز الأثرية التي تمثل جزءاً من هوية الشعوب وذاكرتها الجمعية.
وبالانتقال بين تضارب الآراء العلمية والقوانين، تظل الحكاية مفتوحة على احتمالات قادمة، خاصة في ظل اهتمام عالمي متزايد بحماية التراث الحضاري الإنساني من التجارة غير المشروعة والتسريب خارج أراضيه الأصلية.
خلاصة الموضوع أن قصة جندب توت عنخ آمون الصغير تذكّرنا دومًا بأن كل قطعة أثرية تحمل وراءها فصلاً خفيًّا من التاريخ والنزاع والهوية. وأنت، عزيزي القارئ، قد ترى أن استبدال تعبير "مقتني التحف" بعبارة "مستكشفو الكنوز" يضفي نكهة سردية أقوى على النص، أو أن تعزيز الترابط بين الفقرات بجمل انتقالية أدق، كإضافة توصيف فني موجز مع كل انتقال زمني، يمنح سرد القصة النَفس الطويل الذي تحتاج إليه مثل هذه القضايا الجدلية. وبغض النظر عن المكان الذي سيستقر فيه هذا الجندب أخيراً، فدعوته الحقيقية أن يكون دافعاً لإعادة التفكير في مسؤولية حماية تراث الإنسانية كلها.