قمر صناعي «ميت» تابع لناسا يرسل إشارة راديو غامضة إلى الأرض!

4 د
رَصَدَ العلماء إشارة راديو من قمر صناعي تابع لناسا متوقف منذ 1965.
الإشارة استمرت 30 نانو ثانية فقط، مصدرها قمر Relay 2.
التفسير المرجح للإشارة هو "التفريغ الكهروستاتيكي"، بحسب الباحثين.
يجري العلماء دراسات لمعرفة أسباب الإشارات وتعزيز فهم البيئة الفضائية.
الحدث يبرز أهمية متابعة إشارات الأقمار القديمة لرصد التغيرات بدقة.
تخيل أن يصلك فجأة اتصال من رقم قديم لا يعمل منذ عشرات السنين! هذا تمامًا ما حدث مع فريق من علماء الفلك، حين رصدوا إشارة راديو قصيرة آتية من قمر صناعي توقفت كل أجهزته عن العمل منذ نحو ستين عامًا.
كان العلماء في أستراليا يبحثون عن نوع معيّن من الانفجارات الراديوية، تعرف بـ "الانفجارات الراديوية السريعة" أو **FRBs**، وهي عبارة عن موجات راديوية قوية صادرة عادةً من نجوم نيوترونية مغناطيسية بعيدة جدًا، تسمى "ماغنيتار". غير أن ما رصدوه في يونيو 2024 كان شيئاً مختلفاً تماماً ومفاجئاً.
إشارة غير مألوفة من جهاز معطل منذ عقود
الإشارة التي التقطوها كانت قصيرة للغاية، لا تزيد مدتها عن 30 نانو ثانية، أي أقل من لحظة خاطفة بالمعنى الحرفي. ومن خلال تحديد الموقع الدقيق ووقت الإرسال، فوجئ فريق العلماء بأن مصدر هذه الإشارة لم يكن نجماً بعيداً ولا مجرة نائية، وإنما كان قمر صناعي قديم عائد لناسا أطلقته منذ عام 1964 تحت اسم "ريلاي 2 Relay"، توقف رسمياً عن العمل عام 1965 بعد تعطّل جميع أجهزته.
غير أن العلماء لا يعتقدون بالطبع أن القمر "رجع إلى الحياة" فجأة ليبدأ بالإرسال من جديد بعد ستة عقود من الصمت. بل يوضحون أن السبب المرجح لهذه الإشارة الغريبة هو ما يسمى بــ "التفريغ الكهروستاتيكي" أو ESD، وهو ظاهرة تحدث عند تراكم الكهرباء الساكنة على الأسطح، ثم يُفرغ هذا التراكم فجأة في هيئة شرارة ترسل معها موجة راديوية.
هذا ما أكده الباحثون حين كتبوا في دراستهم: "من غير المرجّح على الإطلاق أن يكون إرسال الإشارة متعمداً من أحد أنظمة القمر الصناعي". وأضافوا بأن مثل هذه الإشارات القصيرة جداً لا تشابه إطلاقًا أي نظام اتصال موجود على متن القمر المتوقف.
وهذا يقودنا لفهم أدق عن الذي يمكن أن يجري فعلاً في هذه الأقمار الصناعية القديمة.
فرضيات الاحتمالات: هل هو تصادم أم شرارة كهربية؟
يظن العلماء أن هناك سببين محتملين لصدور هذه الإشارة الغامضة، الأول هو "التفريغ الكهروستاتيكي" (ESD) وهو السيناريو الذي يؤيده الفريق بشكلٍ أكبر. فالجيل القديم من الأقمار الصناعية، التي صنعت بمواد أقل مقاومة لتراكم الكهرباء، تكون أكثر عرضة لحدوث مثل هذا النوع من التفريغ الكهربي. في السابق، سُجلت حوادث مشابهة على أقمار صناعية أخرى، لكن مدة هذه الإشارات كانت عادةً أطول بكثير مما حدث هذه المرة.
الاحتمال الآخر، والذي اعتبره العلماء أقل ترجيحاً (لكن ما زال ممكناً)، هو اصطدام صغير مع جُسيم سماوي مجهري "ميكرو ميتيوريت"، حيث يؤدي التصادم إلى حدوث شرارة قصيرة وانبعاث موجة كهرومغناطيسية.
ويؤكد العلماء أن هذه الظواهر ربما تكون شائعة أكثر مما نعتقد. ما يعني أن هناك حاجة لمزيد من الدراسة والمتابعة لمعرفة مدى انتشارها ولتجنب أخطاء الخلط بينها وبين إشارات النجوم والمجرات البعيدة.
أهمية هذه التجربة لفهم ما يدور حول الأرض
بصرف النظر عن سبب هذه الإشارة الغريبة، يؤكد العلماء أن هذا الاكتشاف له أهمية كبرى. فهو من ناحية يفتح الباب أمام طرق جديدة لرصد إشارات من الأقمار الصناعية القديمة التي تحيط بالأرض، وبالتالي معرفة حالتها والبيئة التي تدور فيها بشكل أفضل، ومن ناحية أخرى، سيساعد على تمييز أفضل بين هذه الأحداث والطاقة القادمة من مصادر كونية أبعد، مثل النجوم المغناطيسية والمجرات البعيدة.
مستقبل رصد إشارات قديمة من الفضاء
ما حدث مع القمر الصناعي «ريلاي 2» دفع العلماء للتأكيد على ضرورة الاستمرار في دراسة مثل هذه الظواهر الإشعاعية بدقة أكثر، وبمزيد من الأدوات العلمية المتطورة ورسائل التحذير لباقي علماء الفلك، كي يكونوا مستعدين لمثل هذه الإشارات التي قد تخدعنا أحياناً، وتجعلنا نظن أننا نستقبل إشارات من عوالم أخرى أو من مصادر فضائية عميقة.
إضافةً إلى ذلك، ستكون هذه التجربة نافذة جديدة نفهم من خلالها محيط كوكبنا بصورة أوضح. وربما قريباً سنشهد تطوير أجهزة أكثر حساسية لرصد التغيرات الدقيقة مثل هذه الإشارات الوجيزة التي قد تحمل معلومات مهمة عن الفضاء المحيط بنا.
في الختام، يبقى هذا الحدث تذكيراً لنا بمدى اتساع وتعقد الفضاء من حولنا، ويُنبهنا إلى أن التحقق العلمي المستمر هو السبيل الأهم لتمييز الحقائق عن الروايات الخيالية. من الممكن مستقبلاً تقوية المقالة ببعض المصطلحات العلمية الإضافية أو عبارات الربط الموجزة، لتعزيز انسيابية النص وإبقائه قريباً من فهم القارئ العادي المهتم بظواهر الفضاء.