ذكاء اصطناعي

قواقع التفاح الذهبي تبهر العلماء بقدرتها على تجديد أعينها: أمل جديد لشفاء العيون البشرية

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يمكن لقواقع التفاح الذهبي تجديد أعينها المفقودة بشكل مدهش.

تشابه العيون المركبة للقواقع الذهبي العيون البشرية من الناحية التشريحية.

بدأت الأبحاث على القواقع لاكتشاف أسرار تجدد الأعضاء الحسية المعقدة.

استُخدمت تقنيات تعديل الجينات لدراسة دور جين pax6 في تطور العين.

الانتقال للثدييات والبشر يتطلب مزيدًا من الأبحاث والخطوات المعقدة.

تخيل عالماً بإمكان الإنسان فيه تجديد عينه تماماً مثلما تجدد قواقع التفاح الذهبي أعينها المفقودة. قد يبدو الأمر خيالياً، لكنه اليوم في قلب أبحاث علمية حثيثة تهدف إلى مكافحة مشاكل العيون لدى البشر. دراسة جديدة نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” كشفت النقاب عن قدرة مذهلة لدى هذه القواقع، وهي امتلاكها عيوناً شبيهة بتلك الموجودة لدى البشر—وما هو أدهى، قدرتها على إعادة إنماء العين بعد فقدانها.

البداية مع تشابه مذهل وغير متوقع: العيون المركبة لدى القواقع الذهبي تشبه من الناحية التشريحية عيوننا البشرية. هذا ما حفز الباحثة أليس أكورسي، أستاذة البيولوجيا الجزيئية والخلوية بجامعة كاليفورنيا ديفيس، وفريقها العلمي على استكشاف أسرار تجدد العيون عند هذا الكائن الغريب. بحسب أكورسي، تفتح قواقع التفاح الذهبي أمام العلماء نافذة فريدة لدراسة تجدد الأعضاء الحسية المعقدة، خصوصاً وأن دراسة عملية تجديد العين الكاملة كانت تفتقر سابقاً إلى نموذج عملي واضح.

ومن هنا ينتقل الحديث إلى مصدر القواقع المتفوقة نفسها، إذ اختار الفريق العلمي نوع “بوميكا كاناليكولاتا” المعروف بالانتشار الواسع وسرعة التكاثر وقدرته الرهيبة على البقاء في بيئات مختلفة. هذه الصفات جعلت منه كائناً مثالياً لتسريع مراقبة عمليات التجدد، إضافة إلى تشابهه البصري مع العين البشرية من حيث العدسة وشبكية العين والعصب البصري. وهكذا ربطت هذه الخصائص بين رغبة العلماء في دراسة العين وإمكانيات القواقع الذهبي اللافتة.

### مغامرة تجديد العين بالكامل: كيف يفعلها الحلزون الذهبي؟

انطلاقاً من هذه النقطة، تابع الباحثون مراحل تجدد العين خطوة بخطوة لدى القواقع. تبدأ العملية أولا بجراحة بسيطة لإزالة العين، ثم يراقب الفريق آلية التئام الجرح، والتي تحدث بشكل مدهش خلال 24 ساعة فقط! بعدها تنشط الخلايا المتخصصة وتبدأ في إعادة بناء أجزاء العين تدريجياً، فتعيد تكوين العدسة والشبكية في غضون عشرة أيام تقريباً، ومع نهاية الأسبوع الثاني تعود بنية العين كاملة إلى شكلها الطبيعي، بما في ذلك ارتباطها العصبي الداخلي عبر العصب البصري. ومع أن شكل العين الخارجى يصبح مكتمل التكوين بعد أقل من شهر من فقدانه، يبقى الباحثون حذرين في إعلان استعادة النظر بشكل عملي حتى الآن.

ولتوسيع فهمهم للآليات الكامنة، راقب الفريق عمل آلاف الجينات أثناء مراحل التجدد. لاحظوا أن التعبير الجيني يتغير مباشرة عقب فقدان العين، حيث عبّرت القواقع عن حوالي 9,000 جين بمعدلات مختلفة مقارنة بالعيون الطبيعية. وحتى بعد اكتمال بناء العين خارجياً بعد 28 يوماً تقريباً، ظل التعبير الجيني لمئات الجينات في العين المتجددة مختلفاً عن العين السليمة، ما أثار تساؤلات جديدة حول جودة الرؤية وإمكانية عودة حاسة البصر بنفس الكفاءة السابقة.

على ضوء هذه النتائج، رغب العلماء في اختبار قدرة القواقع المتجددة العين على التعرف على المحفزات الضوئية كسابقتها الأصلية، وهو اختبار سلوكي ما زال قيد التحضير حالياً. هنا يتضح الربط المباشر بين الملاحظة التشريحية والرغبة في التأكد من وظيفة الإبصار، مما يفتح آفاقاً جديدة لأبحاث معالجة العمى إصابات العين المستعصية عند الإنسان.

في هذا السياق، توسع العلماء في أبحاثهم لاستخدام تقنيات تعديل الجينات (كريسبر)، حيث أجروا تعديلات وراثية مباشرة على أجنة القواقع للبحث عن الجينات الحاسمة في عملية بناء العين. أفضى التحليل إلى اكتشاف دور محوري لجين يُسمى pax6، وهو جين شهير يوجد لدى البشر والفئران وذباب الفاكهة، ويلعب دوراً أساسياً في تطور العين عبر الكائنات. لذا فإن إحداث طفرات في هذا الجين يتيح للباحثين تتبع أثره على تشكل العين ووظائفها، وهو أمر يبشر بآفاق علاجية كبيرة في المستقبل.

ذو صلة

نصل هنا إلى تساؤل مشروع يخطر على بال كل مهتم: هل بوسعنا مستقبلاً “استعارة” هذه الآلية من القواقع لجعل البشر يستعيدون البصر؟ حتى اللحظة، يرى الفريق العلمي أن تفعيل جينات شبيهة لدى البشر ربما يحقق ذلك نظرياً، لكن الانتقال من القواقع إلى اختبارها في الثدييات والبشر يتطلب كثيراً من الوقت والأبحاث والخطوات المعقدة.

ومع هذه التطورات المثيرة، تبدو قواقع التفاح الذهبي، رغم بساطتها، أشبه بمختبر بيولوجي متكامل بين أيدينا. ومما يدعو للتفاؤل أن جمع البيانات حول مئات الجينات وتفاعلاتها وإمكانيات التعديل الوراثي عبر تقنيات حديثة مثل كريسبر يوحد بين تجدد الأمل والإبداع العلمي في بحثنا عن علاج فقدان البصر وإصابات العين. ربما لو استعارت فقراتنا كلمة “متجددة” بدل “مفقودة” في موقع الحديث عن العين لاستقامت الصورة أكثر، كما أن التعبير عن “اختبار المحفزات الضوئية” بجملة تربط وظيفتها بإدراك العالم كان سيعطي النص تدفقاً أغنى. على أي حال، تظل القواقع الذهبية مصدر إلهام مضيء لكل من يحلم بإعادة وهج الرؤية يوماً إلى عيون فقدت بريقها.

ذو صلة