ذكاء اصطناعي

 كائن يقاوم أقسى أنواع الإشعاع الشمسي في الصحراء ويحيي آمال العثور على حياة خارج الأرض

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء أشنّة في صحراء موهافي تقاوم الإشعاعات فوق البنفسجية القاتلة UVC.

تشبه الطبقة العليا للأشنّة الجلد المدبوغ وتعمل كواقٍ شمسي فعّال.

يبعث الاكتشاف الأمل في وجود حياة مشابهة على الكواكب البعيدة.

تفتح هذه الأشنّة الباب لفهم التكيف البيئي في الفضاء الخارج عن مجموعتنا الشمسية.

 حين نتحدث عن الوقاية من أشعة الشمس، قد تخطر في ذهنك الكريمات الواقية التي نستخدمها لحماية بشرتنا. لكن في صحراء موهافي الأمريكية، اكتشف العلماء كائنًا صغيرًا مذهلًا يستخدم طريقته الخاصة كواقي شمسي فعال ضد أشد أنواع الإشعاعات الشمسية القاتلة المعروفة باسم أشعة UVC. الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذه القدرة المذهلة تفتح بابًا واسعًا لإمكانية وجود حياة مشابهة على كواكب أخرى.

الحكاية بدأت بالصدفة عندما لاحظ هنري صن، عالم الأحياء الدقيقة بمعهد بحوث الصحراء في ولاية نيفادا الأمريكية، تغيرًا غريبًا في لون أحد أنواع الأشنات الصحراوية، والذي يحمل اسم "Clavascidium lacinulatum". عادةً، نحن معتادون على رؤية النباتات والكائنات المحتوية على الكلوروفيل بلون أخضر، فكان استغرابه مبررًا عندما وجد هذه الأشنّة ذات لون أسود داكن.


واقٍ شمسي مذهل

وبعد اختبار معملي مكثّف استمر ثلاثة أشهر، تم خلاله تعريض هذه الأشنّة لإشعاعات UVC الاصطناعية الشديدة على مدار الساعة، كانت المفاجأة أن نصف خلايا الطحالب داخل الأشنّة بقيت حية وقادرة على التكاثر مرة أخرى بعد الترطيب. وعندما أمعن الباحثون النظر في تركيبة الطبقة العليا المميزة للأشنّة، وجدوا أنها تشبه تمامًا ما يحدث لبشرتنا حين تتعرض للشمس وتكتسب اللون الداكن—نعم، ما يشبه "التان".

وهكذا ننتقل إلى نقطة محورية أخرى: ما الذي يجعل تلك الأشعة فوق البنفسجية UVC خطيرةً جدًا ولا تصل إلى أرضنا أصلًا؟

عادة، تصنف الأشعة فوق البنفسجية إلى ثلاثة أنواع: UVA وUVB وUVC. النوع الأول والثاني يصلان إلى الأرض بشكل متنوع وتوفر لهما طبقة الأوزون حماية جزئية، لكن النوع الثالث (UVC)، وهو الأخطر، تمنعه بالكامل طبقات الجو العليا ولا يصل إلى سطح الأرض. ويستخدمه البشر صناعيًا في قتل الميكروبات ضمن عمليات التعقيم. لذلك كان من الغريب أن تتطور كائنات أرضية لمقاومة نوع من الإشعاع لا يصلها من الشمس ولا يشكّل عادةً تهديدًا طبيعيًا لها.

وبالتأكيد يدفعنا ذلك للتساؤل عن السبب الحقيقي وراء هذه القدرة المدهشة لكائنات مثل هذه الأشنّة.

اكتشف العلماء أن أشنّة الصحراء طوّرت طبقة خارجية تعمل كدرع، مثل طبقة واقية من الشمس، تحمي شريكها التعايشي الطحلبي. فالأشنات ليست سوى علاقة تكافل وتعاون مهمة: فطريات توفر الهيكل والغطاء الخارجي، وخلايا من الطحالب أو البكتيريا الزرقاء تقوم بالتمثيل الضوئي. وعندما أزال العلماء الطبقة الوقائية وعرضوا الطحالب نفسها لأشعة UVC، ماتت الخلايا في أقل من دقيقة. كما أظهرت تجربة أخرى أن هذه الأشنّة كانت أكثر تحمّلاً للإشعاع حين تم وضعها في بيئة خالية من الأكسجين.

بالتأكيد يشعل لنا ذلك ضوءًا كبيرًا ويأخذنا إلى كواكب أخرى بعيدة عن مجموعتنا الشمسية، تعرف بـ"الكواكب الخارجية". هذه العوالم عادة ما تدور حول نجوم من النوع M أو F المعروفة بإطلاقها كميات كبيرة من إشعاع UVC نتيجة للانفجارات الشمسية المستمرة. هذه الكواكب، التي طالما اعتقد العلماء أنها غير مناسبة للحياة، أصبح الأمر الآن مختلفًا قليلًا، بفضل هذه الأشنّة الصحراوية الفريدة.

ذو صلة

فالاكتشاف الجديد يوحي بشكل واضح أن الحياة، حتى في هذه الظروف البيئية الشديدة والقاسية، ليست مستحيلة. بل يؤكد العلماء في دراستهم أن كوكبًا بعيدًا وقاسيًا قد يكون موطنًا لـ "كائنات مجهرية، مستعمرة مثل الأشنات الصحراوية، تم تطوير طبقات داكنة تُعطيها قدرة خارقة على الصمود أمام أشعة UVC القوية".

في الختام، يفتح هذا الاكتشاف الباب واسعًا نحو مزيد من التساؤلات ومزيد من الأمل في مساعي البحث المستمرة عن حياة خارج الأرض. ومن المفيد هنا ذكر مثال واضح كالأشنّة الصحراوية في موهافي كوسيلة لفهم الظروف الغريبة التي يمكن للكائنات التكيف معها خارج حدود كوكبنا. ربما يكون من المناسب أن نستخدم كلمات أقوى في مقالات قادمة لوصف هذه القدرات الخارقة، وأن نوسع التركيز قليلًا لفهم تأثير ذلك على الأبحاث المستقبلية في علوم الفضاء والكواكب الخارجية.
لكنه بالتأكيد خبر زاخر بالأمل ويستحق أن نتأمله جيدًا، ففي صحراء أرضنا الجافة، ثمة حياة تعلمنا دروسًا كبرى مشرقة، فقد تجعل احتمالية الحياة في الفضاء واقعًا أقرب مما نعتقد.

ذو صلة