كويكب غريب يظهر أمام عدسة ناسا… ويكشف عن مشهد لا يُشبه أي شيء رأيناه من قبل

3 د
حققت المركبة "لوسي" لنيسان التابعة لناسا مرورًا قريبًا من الكويكب "دونالد جوهانسون".
صوّرت المركبة كويكبًا بشكل غريب، يعزز الفضول حول تكوين الأجسام السماوية.
تسعى "لوسي" لاستكشاف كويكبات طروادة كي تقدّم لنا معلومات عن تشكيل النظام الشمسي.
مهمة "لوسي" هي استكشاف متعمق لأصل الكواكب وأسسها.
تخيّل معي للحظات مركبة فضائية تتحرك بسرعة 48 ألف كيلومتر في الساعة، تمر قريبًا جدًا من كويكب غريب الشكل، تلتقط صورًا مذهلة، ثم تتابع طريقها لتبحث عن الأسرار الكامنة في عمق المجموعة الشمسية. هذا بالضبط ما حدث يوم العشرين من أبريل الماضي، عندما تمكنت المركبة الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، والمسماة "لوسي"، من عبور مسافة تقدر بحوالي ألف كيلومتر بعيدًا عن كويكب أُطلِق عليه اسم "دونالد جوهانسون".
قد تتساءلون من أين جاء هذا الاسم الغريب للكويكب. في الواقع، لقد اختار العلماء تكريمًا لعالم الأنثروبولوجيا الشهير دونالد جوهانسون، الذي يعود له الفضل في اكتشاف الحفرية الإنسانية الشهيرة "لوسي"، والتي تحمل المركبة نفسها اسمها أيضًا. احتفاءً بهذا الاكتشاف المذهل الذي غيّر تصورنا عن تاريخ البشرية، ها نحن الآن نشهد رحلة استثنائية تهدف إلى استكشاف مرحلة أقدم بكثير: تشكيل نظامنا الشمسي.
مشاهد مذهلة تكشف شكلًا غير مألوف
الصور التي التقطتها مركبة "لوسي" أظهرت لنا كويكبًا نادرًا منه شكلًا، إذ بدا للكويكب جسمان منفصلان مرتبطان بعنق نحيف جدًا يبدو وكأنه مخروطَا آيس كريم متلاصقان بشكل عجيب. هذا الشكل أثار فضول العلماء فورًا، ودفعهم للتساؤل: كيف حدثت هذه التركيبة الغريبة؟ وماذا يمكن أن تعلّمنا عن نشأة هذه الأجسام السماوية؟

يقول توم ستاتلر، أحد علماء الكواكب في ناسا والمسؤول العلمي عن مهمة لوسي:
"إن هذه الصور الأولى التي أرسلتها المركبة أظهرت بشكل واضح قدراتها الهائلة في الاستكشاف والبحث العلمي. ننتظر بشغف هذه المعلومات القادمة التي قد تفتح لنا نافذة فريدة نحو فهم العصور الأولى لنظامنا الشمسي"
لماذا تُعدّ كويكبات طروادة هدفًا علميًا مميّزًا؟
مهمة لوسي الأساسية هي التوجه نحو ما يعرف بكويكبات طروادة، وهي مجموعتان من الكويكبات العالقة قرب كوكب المشتري، واحدة أمامه والأخرى خلفه مباشرة. هذه الكويكبات استقرت في مدارها بفعل جاذبية المشتري القوية، وبالتالي لا تستطيع الإفلات من قبضته، ما يعني أن هذه الصخور الفريدة لم تصل أبداً إلى كوكبنا ولم نتمكن من دراستها عن قرب قبل الآن.
علماء الكواكب يعتقدون أن هذه الكويكبات من الممكن أن تكون بمثابة "سجل محفوظ" من مرحلة مبكرة تكوّن فيها نظامنا الشمسي، منذ حوالي أربعة مليارات سنة. هذه الصخور القديمة قد تعطينا لمحة عن الظروف التي ساعدت في تشكيل الأرض والكواكب الأخرى من حولنا.
يقول هال ليفيسون، العالم الرئيسي وقائد بعثة لوسي:
"إذا كنا نرغب حقًا في فهم ذواتنا، علينا أولًا أن نستوعب تمامًا هذه الأجسام الصغيرة، والتي تُعتبر في الواقع اللبنات الأساسية التي صنعت كوكبنا وغيره"
هذا وقد أشار ليفيسون باعتزاز إلى أن هذه المهمة ستكون أول استكشاف مباشر ومتعمق لمجموعات كويكبات طروادة.
استعدادات جادة لوصول تاريخي مرتقب
ويُعتبر مرور "لوسي" بجانب "دونالد جوهانسون" تدريبًا نهائيًا قبل أن تتوجه المركبة، المجهزة بعدة مجموعات متقدمة من الكاميرات وأجهزة التصوير، نحو جزء مهم من رحلتها. إذ من المتوقع أن تصل المركبة الفضائية إلى أول كويكبات طروادة، والذي يُعرف باسم "يوريباتس"، في أغسطس من عام 2027.
ورغم أن كويكب "دونالد جوهانسون" في حد ذاته ليس هدفًا أساسيًا لمهمة "لوسي"، إلا أن صورته الغريبة هذه سوف تساهم بلا شك في تعزيز فهمنا لعمليات التصادم والاندماج بين الأجسام السماوية الصغيرة، وبالتالي قد تفتح أبوابًا جديدة لفهم أعمق لكيفية ولادة الكواكب من أجسام صغيرة تكوّنت وتداخلت فيما بينها.
في النهاية، لا يزال أمامنا مغامرة علمية مشوقة جدًا تنتظرنا مع مركبة لوسي—مغامرة قد تغير بلا شك ما نعرفه عن التاريخ المبكر لنظامنا الشمسي. تابعوا معنا هذه الرحلة المثيرة التي لم يكتب فصولها الأخيرة بعد.